تقرير.. الأزمة التركية الجديدة في الوجهين الداخلي والخارجي لليرة

تحقيقات وتقارير
  • 12-11-2018, 15:17
+A -A

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام

اسطنبول – فراس سعدون

تواصلت خسائر العملة التركية حتى تجاوزت اليوم الاثنين عتبة 7 ليرات للدولار الواحد على وقع العقوبات والرسوم المتبادلة بين تركيا والولايات المتحدة.

وخسرت الليرة حوالي 30% من قيمتها أمام الدولار منذ بداية العام الحالي خسارة تلقي بظلال معتمة على مستقبل واحد من الاقتصادات الصاعدة في الشرق الأوسط، وقد تنذر بدخوله في أزمة إذا توالت الخسارات.

الوجه الداخلي لأزمة الليرة

وتحتفظ الأسعار في السوق التركية، حتى الآن، باستقرار جيد، لكن هناك مخاوف تسري من ارتفاع الأسعار في أي لحظة لاسيما أسعار السلع الاستهلاكية.

ويقول جواد غوك، المستشار السابق في مركز الدراسات الاستراتيجية، لمراسلنا في اسطنبول، إن هناك خشية من "زيادة في أسعار الخبز، والمواد الغذائية، والأدوية، والأدوات المنزلية، وكل ما يحتاجه المواطن في حياته اليومية". ويضيف "يتوقع الناس أن هذا الأسبوع سيشهد زيادة في الأسعار والتضخم".

ويذكر غوك، وهو رجل أعمال أيضا، أن هناك "محطات بنزين قللت من بيع الوقود، ومحلات تجارية امتنعت عن بيع السجائر، في تمهيد لارتفاع الأسعار".

ويرى أن "ارتفاع الأسعار لو تحقق فلا سبيل إلى مواجهته سوى زيادة الرواتب الشهرية لإحداث توازن".

وتعاني تركيا بطالة مرتفعة تصل إلى نحو 10%.

ويدافع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وأعضاء فريقه التنفيذي عن اقتصاد البلاد ويقولون إنه قوي، محذرين من الانجرار وراء شائعات تتحدث عن أزمة أو انهيار اقتصادي.

وبدأت وزارة الداخلية التركية ملاحقة مستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي عبر مئات الحسابات قالت إنهم نشروا تعليقات "محرضة" حول تراجع الليرة.

وذكر إبراهيم كالن، المتحدث باسم الرئيس التركي، أن وزارة الخزانة والمالية، والبنك المركزي، والهيئة المالية والمصرفية والرقابية تتخذ الخطوات اللازمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

وعلق غوك على هذه الخطوات بأنها "تدابير لمنع هروب الأموال من تركيا".

ويكرر إردوغان دعوة الأتراك إلى تحويل ما بحوزتهم من عملة صعبة إلى الليرة بغية دعمها. لكن غوك يؤكد أن "الشعب يريد المساندة لكنه يتردد، لأن الدولار صعد بقوة هذه المرة وهناك إحساس بأن صعوده سيزداد، ولذلك لن يفرط الناس بمدخراتهم بسهولة".

الوجه الخارجي لأزمة الليرة

وترتبط أزمة الليرة بأسباب خارجية سياسية واقتصادية ناجمة عن علاقة تركيا بالدول الغربية ومؤسساتها المالية.

ويقول ماهر الحمداني، الباحث المتخصص في الشؤون التركية، لمراسلنا في اسطنبول، إن "الرئيس الأميركي دونالد ترامب حين جاء إلى السلطة رفع شعار أميركا أولاً وأخذ يقلب نظام التجارة العالمي الذي أصرت عليه أميركا وعلى السوق المفتوحة والحرة لعقود وفرضت عقوبات على أي دولة تغلق أسواقها وتفرض إجراءات حمائية". ويتابع "ترامب عكس النظام وفرض إجراءات حمائية على اقتصادات مهمة وحليفة مثل بريطانيا والاتحاد الأوروبي وكندا والصين وألغى اتفاقيات بهذا الخصوص".

ويلفت الحمداني أن "ترامب (القادم من عالم المال والأعمال) يعارض تحول الصين ودول أوروبا إلى دول مصدرة لأميركا أكثر من كونها مستوردة منها الأمر الذي يخل بالميزان التجاري الأميركي".

وفرض ترامب مؤخرا رسوما على واردات الصين وتركيا ودول أخرى أضرت تركيا جدا "كونها الحلقة الأضعف في الشد والجذب هذا" كما يرى الحمداني.

وينبه الباحث إلى أن "نهضة الاقتصاد التركي (في بدايات القرن الحالي) اعتمدت على استثمارات وقروض خارجية معظمها أوروبي"، موضحا أن "المؤسسات التركية والشركات تدين لبنوك اسبانية بـ80 مليار دولار، وفرنسية بـ35 مليارا، وإيطالية، بـ18، وألمانية بـ13".

ويقدر الدين التركي بالعملات الصعبة من البنوك الأجنبية بأكثر من 220 مليار دولار، في وقت تبدو فيه البنوك التركية متورطة لأنها سحبت بالدولار وأقرضت المواطنين الأتراك بالليرة.

وينوه الحمداني بأن "هذه الديون من المفترض أن تسدد الدفعة الأولى منها البالغة 50 مليار دولار هذا الشهر"، متابعا أن "تركيا في وضعها الحالي من الصعب أن تقدم هذا المبلغ في موعده، ولو استحق موعد الدفع وتعثرت فسيكون أمامها خياران: الطلب من الأوروبيين جدولة القروض، وهذا الطلب سيرتب فوائد للأوروبيين، ومع هذا فإنهم لن يوافقوا عليه بسهولة، وسيحتاجون ضمانات قد تعيد الدولة التركية إلى البنك الدولي لطلب قرض منه، وهذه الخطوة ترجع تركيا إلى دوامة المديونية من البنك التي تخلصت منها مؤخرا وأصبحت حرة".

ويواصل الباحث "هذا الخيار غير مفضل لدى تركيا لأن البنك الدولي سيفرض شروطا سياسية واجتماعية عليها تريدها الدول الكبرى، ما يعني عودة تركيا إلى ما كانت عليه سابقا دولة تابعة للغرب، وفي هذه الحالة ستبتعد عن أي مشروع شرقي حتى تسدد ديونها".

ويذكر الحمداني أن "الخيار الثاني هي أن تشهر البنوك الخاصة إفلاسها حتى لا تدفع الديون المترتبة عليها بالعملة الصعبة القوية أمام الليرة الضعيفة". ويردف أن "الدولة لن تدفع مكان الشركات الخاصة في هذه الحالة، لكن الاقتصاد التركي سيتضرر بالعموم، جراء فقدان الثقة به، وسيسحب المستثمرون الخارجيون أموالهم منه".