جرائم المعلوماتية {للنقاش مجدداً}

مقالات
  • 24-11-2020, 05:13
+A -A
سالم مشكور
تجدد النقاش بشأن قانون جرائم المعلوماتية مع طرحه للقراءة الثانية في البرلمان. الاعتراضات تنقسم بين خوف على الحريات التي تحققت بعد 2003، وأخرى تركز على قسوة العقوبات الواردة في مسودة القانون، والتي تضم أحكاماً بالسجن المؤبد على قضايا لا تستحق أو انها قد تقع سهواً. في المسودة محل الاعتراض عمومية في عناوين التهم التي تترتب عليها أحكام، فمثلا: ماذا يعني “تعريض سمعة البلاد للخطر” وكذلك: “الاعتداء على المبادئ والقيم المعتقدات الدينية والاجتماعية والأسرية” ومن يحدد ذلك؟. العمومية هنا تفتح الباب أمام التوسع في التفسير.
في المقابل يدافع عن مشروع القانون من يقول إن الجرائم بدأت تزداد مع التطور التقني الذي بات متاحاً بيد الجميع، ولابد من ضوابط للسلوك الالكتروني بما يصون المجتمع من إساءة استخدام هذا التطور. يقول هؤلاء أن القانون يخص الجوانب التقنية ولا علاقة له بتكميم الافواه أو تقييد الحريات، إنما هو قانون لردع المتطاولين على أمن المجتمع وقيمه الأخلاقية.
الواقع أن قانوناً لتنظيم الاستخدام الامن للتقنيات الحديثة موجود في الأنظمة الديمقراطية التي تتمتع بسقوف عالية من حرية الرأي ما لم تشكل تهديداً لأمن الوطن والمجتمع.
في مجتمعنا شهدنا الكثير من الجرائم ارتكبت بواسطة تقنيات الاتصالات المتطورة، كما أن منصات التواصل الاجتماعي تشهد الكثير من التجاوزات على كرامات الناس وخصوصياتهم بل وحتى أعراضهم، فضلا عن مساهمة بعض مستخدميها في نشر البذاءة والسلوك اللاأخلاقي والكراهية والتحريض على العنف، مما يشكل خطراً كبيراً على المجتمع مما يستدعي ردعاً قانونياً لحمايته. لكن هذا الردع يجب أن لا يتمدد على الحريات، ويتحول الى أداة قمع لها. مسودة القانون كتبت بعقلية أمنية قد لا تتلاءم مع ما نصبو اليه من نظام ديمقراطي وحريات مكفولة، فقد وضعت العام 2009 وما كانت تشهده تلك المرحلة من أخطار أمنية، ولم يكن يوجد آنذاك ما نشهده اليوم من التطور التقني، وبالتالي فان المسودة تحتاج الى الكثير من التعديل واستخدام مفردات تستوعب ما سيحصل من تقدم في المستقبل.
لا يمكن لوم من يتخوف على الحريات، فما عانيناه من كبت وتضييق على مدى عقود ترك عندنا حساسية شديدة من أية محاولات قد يشمّ منها رائحة تضييق.
نحتاج الى قانون يضمن الحريات ويقمع مستغليها للإضرار بالبلاد وأهلها، ومرحلة ما بعد القراءة الثانية فرصة لإجراء تعديلات جوهرية على مشروع القانون، بالتعاون مع الأوساط المهنية والحقوقية المعنية.