محمد خضير يدخل في زقاق الرواية

ثقافة وفن
  • 12-01-2020, 09:28
+A -A

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
بغداد - الصباح
في سعيه لتدوين تاريخية السرد العراقي، تحقيبياً وفنّياً، يقدّم القاص محمد خضيّر قراءة مغايرة بمناسبة مرور مئة عام على السرد العراقي في كتابه الجديد (تاريخ زقاق.. مقالات في مئوية السرد العراقي)، الصادر مؤخّراً عن منشورات جامعة الكوفة. هذا السعي هو ما دفع خضيّر لتقديم الآراء المتنازعة بشأن أهمية البدايات التي انطلق منها هذا السرد.
مبيّناً أن التاريخ الأدبي العراقي تنازعته نزعتان: تحقيبية تنحو منحى التعميم والمساواة، وأيديولوجية صنّفت أدبنا تصنيفاً معياريّاً تجزيئياً، وما جنته النزعتان على أدبنا واحد. إذ أغضت كلتاهما عن الأصوات الفردية، والخصوصيات النوعيّة، والمؤثّرات المتداخلة عبر النوع والزمان. فما يبدو على النزعتين من تضاد مرجعي، إنما يقوم على تعاضدهما في إغفال الطفرات الأدبية في المسار المحقّب، والمسار المؤدلج، وتسفيه الخصائص الأدبية اللامصنّفة
 فيهما.
وعلى الرغم من أنّ كتاب خضيّر صدر في أواخر العام 2019، أي بعد مئة عام على صدور (الرواية الإيقاظية) لسليمان فيضي، غير أنه في أحاديث خاصة ينفي كون هذه العمل من الرواية بشيء، ويعد رواية محمود أحمد السيد (جلال خالد) هي الرواية الأولى فنيّاً، وهي التي صدرت في العام 1928، أي بعد تسع سنوات من الرواية الأولى، وما بين هاتين الروايتين صدرت روايات وأعمال سردية أخرى لم يتطرّق لها أغلب النقّاد
 العراقيين.
وفي تقديمه للكتاب، يجيب خضّر عن أهمية جدوى استرداد مئة عام من السرد العراقي، قائلاً إنّ المسح التاريخي والاستغوار الشخصاني كلاهما يساعد على إدراك قيمة النصوص المرتبطة بالجماعات، أو نفورها الفرداني من التسلّط الحكومي والحصر الاجتماعي، وقد تشع جماعيّتها أو فردانيّتها بتلك النهايات القاسية لأصحاب الأقدام الدامية، فنلفت بصرنا إلى الحقول المعرّاة في فضاء المأساة العراقية الغنيّة بالرؤى "الجيكورية" المسافرة، والأحلام البغدادية المقيمة في صميم المعمار البرونزي لنُصب الحريّة، وصفوف الآجر المفخور في جدران القصور العباسيّة
 والعثمانية.
ويقدّم خضيّر في كتابه هذا مفازات تأثرّت بها السردية العراقية بشكل واضح، أولّها كان العام 1920، مع التأسيس الجديد للدولة العراقية، ومن ثمَّ 1958 مع انبثاق الجمهورية الجديدة، مروراً بالعام 1980، غير أن العام 1991 كان عاماً مفصليّاً في هذا السرد لأن كتابه تشظوا في منافٍ خارجية وداخلية، أما العام 2003 فكان الظهور الجديد لهذا السرد. إلّا أنّ خضيّر يعيد إنتاج هذه المراحل بمسميات أخرى: مرحلة النشوء (1920- 1945) ومرحلة الصعود (1945- 1979) ومرحلة الانحدار والضمور (1982- 1991)، لتختلف النظرة بعد هذا العام على السرد العراقي لاهتمام الكتّاب بتجنيسات جديدة وانتقالهم من نوع سردي إلى آخر، خصوصاً بعد التفاتهم إلى الرواية وإهمال القصة القصيرة، وهي النوع السردي الذي كان سائداً خلال عقود
 طويلة.
غير أنه يؤكّد أنّ أي تسنين لمشروع الذاكرة المئوية لا بدّ أن يعترف بأعراض النصوص التي عانت الاستباحة والتقييد، وختمت عليها يد الجهل والتعصّب، وحملت خوفها وهوانها تحت جنحيها، في أي مرحلة سبقت مرحلتي: ما قبل- ما بعد التغيير. وهي تريد أن تدخل الفهرس المئوي، مبرّاةً من اي مرضٍ مرحلي سابق، يزويها في خانة النسيان.
على مدى ثلاثين مقالة ضمّها خضيّر في هذا الكتاب، جسّد من خلالها المراحل المفصليّة في السردية العراقية، بدءاً من (أجيال وأخطار) التي خصّها لبدايات السرد في مطلع القرن الماضي والحياة الاجتماعية والسياسية التي أثرّـ بشكل أو بآخر في توجيه النصوص العراقية حينها، مروراً بمرحلة التأسيس الجديدة في مقالته (على طريق الهند)، ومقالة (عرضحالجي بغداد) وهي التسمية التي يطلقها خضير على فؤاد التكرلي، وصولاً إلى من يعدّه أغلب النقاد بأنه مؤسس الرواية العراقية الجديدة غائب طعمة فرمان.
هذه المراحل التأسيسية أتاحت لمحمد خضيّر الانتقال للمراحل التالية، لاسيما ما بعد العام 2003، ليقدّم فيها مقالات عدّة، منها: (فرانكشتاين العراقي)، (شعرية الموت)، (جدل المنفى)، (السيرة المهمة في الرواية النسوية)، وليختم مقالاته بـ (رواية التغيير في العراق)، وهي ما عمل عليه على مدى سنوات بسلسلة مقالات نشرها في جريدة "الصباح" تحت هذا المسمّى. ويكشف خضيّر عن هذه التحقيبات بقوله: ليس غريباً أن تجدّد الرواية العراقية ثوبها بعد كل دورة عشرية، لكن الثوب الذي لبسته فنتازيات بغداد سيبدو أكثر غرابة بين دورات الكارثة العراقية. فهذه الدورة النوعية الكبيرة فرضت موضتها على السرديات الطبقية الواقعية والرمزية، وخرقت نسيج المفاهيم القرائية الأخلاقية والمنطقية.
ثلاثون مقالة ركّز فيها محمد خضير على المراحل المفصلية في السردية العراقية على مدى مئة عام، ضمتها دفتا كتاب من 280 صفحة من القطع المتوسط.