خبراء: العراق حقق قفزة اقتصادية واستثمارية كبيرة بعد العام 2003

تحقيقات وتقارير
  • 9-04-2024, 13:11
+A -A

بغداد- واع- نصار الحاج
بعد عقود من الأزمات الاقتصادية التي سببها النظام المباد تغيرت البوصلة الاقتصادية بعد العام 2003، وبعد الإطاحة بذلك النظام الشمولي الذي لم يكن يمتلك أي رؤية اقتصادية واضحة ما أدخل البلاد في دهاليز مظلمة انعكست بشكل مباشر على حياة المواطن خاصة مع وجود حصار اقتصادي جعل مستوى الدخل للمواطن هو الأضعف، وبعد سقوط النظام المباد تغيرت حركة البوصلة الاقتصادية بشكل كبير بعد أن أقر الدستور العراقي حرية الاقتصاد العراقي وحرره من قيود الحقبة الماضية، الأمر الذي انعكس على التطور الاقتصادي واتساع المشاريع الاستثمارية والانفتاح الكبير على الشركات العالمية وتحرر رؤوس الأموال التي باتت تجد في العراق أرضاً خصبة للعمل.

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
وفي هذا الصدد، قال عضو مجلس النواب النائب عقيل الفتلاوي لوكالة الأنباء العراقية (واع): إنه "لا توجد مقارنة بين الوضع الاقتصادي الحالي والوضع الاقتصادي ما قبل العام 2003 لأن الفارق كبير جداً "، لافتاً الى أن "الدخل الحالي للمواطن بصورة عامة أصبح عشرات الأضعاف، وكذلك الأمر على الوضع المادي والاجتماعي وغيرها من الأمور الأخرى التي بات المواطن يتمتع بها بعد أن كانت معدومة، وخاصة في ما يتعلق برواتب الموظفين التي انعكست في الوقت الراهن على وضعهم المعيشي".
وأضاف ان " هذا الفارق جداً كبير ما بين النظام الحالي والنظام المباد إذا ما تم الحديث عن الوضع الاقتصادي خصوصاً من ناحية دخول الشركات الأجنبية، فالعراق منفتح على جميع الشركات بصورة عامة لاسيما مع وجود الموازنات التجارية التي جعلت جميع الشركات تتسابق من أجل العمل في العراق".
بدوره، قال المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "العراق استطاع أن يتجاوز الظروف الصعبة التي مر بها والتي خلفتها المشكلات بسبب سنوات الحرب والحصار الاقتصادي قبل العام 2003، واستطاعت البلاد بعد تغيير النظام السابق من إدارة الملف الاقتصادي بشكل قاد الى تغيرات كبيرة في الرفاهية الفردية التي ابتدأت بإطفاء الديون الخارجية المترتبة على العراق وهي ديون قبل العام 1990 والتي كانت تزيد على ست مرات الناتج المحلي الاجمالي قبل العام 2003 إزاء المقياس العالمي الذي لا تزيد الديون الخارجية بموجبه على 60% من الناتج المحلي الإجمالي"، مضيفاً أن "العراق استطاع من خفض الدين الخارجي بموجب اتفاقية نادي باريس الموقعة في تشرين الثاني 2004 من إطفاء ما يزيد على 100 مليار دولار من ذلك الدين".
وأضاف أن "حقبة الحصار الاقتصادي قبل العام 2003 تسببت بأضرار إنسانية فادحة تحملها الشعب العراقي، إذ هبط متوسط دخل الفرد السنوي الى أقل من 670 دولار ما جعل العراق يدخل حينها منظومة البلدان الفقيرة التي خضعت لأمد طويل من الصراعات الداخلية والخارجية ودمار البنية التحتية التي قدر الخراب حينها في مؤتمر مدريد للمانحين للعراق في تشرين الأول من العام 2003  قرابة 58 مليار دولار"، مبيناً أنه "وبالرغم من ذلك الإرث الاقتصادي الثقيل، فإن متوسط دخل الفرد العراقي ارتفع بعد العام 2033 تدريجياً ليبلغ بالمتوسط بين 4000 دولار كحد أدنى صعوداً الى 6000 دولار سنوياً، كذلك انخفض التضخم السنوي من متوسط نمو لم يقل عن 50% قبل العام 2903 الى معدل لا يتعدى اليوم 4% سنوياً".
وأشار صالح الى أن "التشغيل الحكومي الواسع على الرغم من اشكالياته إلا أنه وفر متوسط دخل للموظف الحكومي لا يقل اليوم عن 8000 دولار سنوياً، وهو بالتأكيد يفوق متوسط الفرد من الناتج المحلي الاجمالي علماً أن هناك قرابة عشرة ملايين مواطن يتلقون دخلاً حكومياً من رواتب ومنح ومعاشات تقاعدية ورعاية اجتماعية ما يعني أن غالبية الأسر العراقية تتمتع بالدخل النقدي الحكومي الا استثناءً، وأن مفهوم الإعالة لكل متلقٍ دخل حكومي لا يقل عن 4 أفراد، ما يضع البلاد فوق خط الفقر (أي توافر دخل سنوي يغطي المأكل والملبس والمأوى والصحة والتعليم بنسبة لا تقل عن 75% إلا استثناءات قليلة تعمل عليها برامج الرعاية الاجتماعية بتفوق واهتمام عال، ويرافق كل تلك التطورات في الدخل النقدي، توافر السلة الغذائية المدعومة من قبل الدولة إضافة الى بطاقة الأمراض المزمنة التي تغطي احتياجات قرابة 350 مركزاً صحياً يوزع الأدوية بشكل مجاني على المحتاجين من أبناء الشعب، مع دعم واسع للوقود والطاقة وهي تعكس ما يسمى بالدخل الحقيقي المضاف".
ونوه الى أن "الصناعة النفطية بالاستثمارات الكبيرة التي توافرت للقطاع المذكور في مراحلها كافة الاستخراج والتسويق، ازدهرت وجرى تطويرها بالتكنولوجيات العالمية المتقدمة، بعد أن خربت الحقول النفطية وأهملت لسنوات طويلة بسبب الحروب، ما وفر اليوم رافعة مالية واقتصادية تسهم بقرابة نصف الناتج المحلي الإجمالي، وأن جل تدفقات البلاد من العملة الأجنبية تأتي من عوائد النفط المصدر، وهي التدفقات التي أسهمت في تكوين احتياطي أجنبي للعراق الذي يعد اليوم هو الأكبر في تاريخ العراق المالي ويبلغ قرابة 111 مليار دولار ما يدعم استقرار المستوى العام للأسعار وأسعار الصرف الرسمية المعتمدة وتوفير عوامل الاستقرار السعري كافة"، مؤكداً أن "الرؤية الاقتصادية للدولة أخذت تتبلور نحو الشراكة الاستثمارية والإنتاجية مع القطاع الخاص للسير في التنويع الاقتصادي من خلال تنشيط القطاع الصناعي الأهلي كأولوية أولى إضافة الى الصناعات الحكومية والبدء بتشغيلها بموديل اقتصادي مربح وعالي الإنتاجية".
ودعا صالح الى "ضرورة أن تذهب خطة الدولة في دعم المصنع العراقي الى توفير ضمانات سيادية بما لا يقل عن 85% من قيمة المشروع الصناعي الأهلي وحسب الأولويات، لاسيما الصناعات التي تتوافر مدخلاتها ولوازمها محلياً وترتبط بتطوير البنية التحتية للعراق وإدامة بناء السكن والمشاريع العمرانية التي تشهد اليوم انطلاقة فريدة حقاً"، مؤكداً أن "العراق يحتل المرتبة التاسعة عالمياً في قيمة الموارد والثروات الطبيعية المخزونة في باطن الأرض والتي تقدرها الأوساط الاقتصادية العالمية كثروة مخزونة وبالأسعار السائدة بما لا يقل عن 16 الى 17 تريليون دولار، إذ يؤكد خبراء المسح الجيولوجي في العراق على الدوام بأن الاكتشافات الخاصة بامتلاك العراق الاحتياطي الأول في العالم من الكبريت والاحتياطي الثاني بعد المغرب من الفوسفات، والتي تم إنجازها سابقاً من قبل خبراء المسح الجيولوجي العراقي، ضمن مشروع تحديد الاحتياطيات ،حيث تم  على سبيل المثال اكتشاف قرابة 10 مليارات طن من الفوسفات وغيرها" .
وأوضح أنه "باستثناء الاستثمار الجاري حالياً في الثروة النفطية والغاز، فإن أمام الاقتصاد العراقي فرصة الاستغلال الأمثل لتلك الموارد الطبيعية المعدنية وغيرها. وأن مشروعي قانون الإصلاح الاقتصادي وقانون الاستثمار بالموارد الطبيعية، يشكلان استراتيجية العراق المقبلة لولادة الشراكة الاستثمارية مع القطاع الخاص وعلى وفق سلسلة إنتاجية واسعة تتعدى فقرة الاستخراج والتصدير، لتذهب  مخرجات الاستخراج الى تصنيع المواد الخام نفسها كمدخلات وهي سلاسل ستكون بلا شك مولدة للقيمة المضافة ومعظمه لها"، لافتاً إلى أن "مثل هذا التوجه يعد أحد سياسات التنويع الاقتصادي للبلاد، وفك الأحادية الريعية، وهو توجه بلا شك يولد قاعدة تنمية متينة تقوم على أساس الصادرات الى الأسواق العالمية بعوائد تصدير عالية القيمة تصب في مصلحة الحساب الجاري لميزان المدفوعات العراقي". 
الى ذلك، أكد الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه لوكالة الأنباء العراقية (واع) أن "هناك تحسناً واضحاً وملموساً وهذا ما نشاهده من خلال تغير نمط الحياة، اليوم الوضع الاقتصادي جيد ما يجنيه العراق من صادرات النفط تذهب رواتب الموظفين والحماية الاجتماعي والسلة الغذائية، ولكن يجب أن لا يكون الاعتماد فقط على صادرات النفط، ولا بد من تنوع مصادر الإيرادات المالية"، مبيناً أن "العراق بحاجة ماسة الى المزيد من الإصلاحات الاقتصادية وتنمية القطاعات الاقتصادية وعلى الحكومة الحالية أن تعمل باتجاه تنويع مصادر الدخل سواء كانت الضريبة أو الكمارك أو الزراعة أو الصناعة ويفترض أن نذهب باتجاه هذه القطاعات الإنتاجية وتعزيز مصادر الدخل ليحافظ المواطن على الامتيازات التي حصل عليها من تحسن في وضع المعيشة بعد العام 2003".
من جانبه، قال الخبير المالي والأكاديمي الدكتور قصي صفوان لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "العراق قبل العام 2003 كان بناؤه اقتصادياً على أساس أن الدولة مالكة لكل وسائل الإنتاج وأنها تتحكم بالحياة الاقتصادية على مستوى جميع القطاعات الاقتصادية، وفرص النمو كانت للقطاع الخاص محدودة جداً على مستوى بعض القطاعات الخدمية"، موضحاً أن "فلسفة النظام المباد كانت تعتمد على أن ما ينتج يكون مملوكاً للدولة، أي أن الدولة هي التي تتحكم بكل وسائل الإنتاج، وبالتأكيد هذا المنهج رفض من قبل العراقيين عندما تم التصويت على الدستور العراقي الذي كان يتضمن انتقال الاقتصاد العراقي الى اقتصاد سوق حر تكون عملية النمو محكومة بقدرة القطاع الخاص وتكون موارد الدولة المتمثلة بإيرادات النفط هي عنوان لصناعة إيرادات مختلفة في مختلف القطاعات من خلال الدعم المباشر أو من خلال التسهيلات، وأن نجاح العراق في الفترة الأخيرة بعد بروز مشروع ميناء الفاو وطريق التنمية هو العنوان الحقيقي لعملية التغير الاقتصادي".
وتابع أن "معدلات الدخل للأفراد بعد 2003 زادت بسبب زيادة قدرة العراق على الحصول على الإيرادات النفطية، وكذلك توجه نحو زيادة رفاهية الفرد بعيداً عن الحروب وبعيداً عن التبرعات الى دول وشعوب أخرى كان الشعب العراقي بأمس الحاجة الى مثل هذه الأموال في عملية التنمية"، مؤكداً أن "هناك أصراراً حقيقياً من قبل الدولة حالياً لتحويل الاقتصاد العراقي من اقتصاد محلي الى اقتصاد عالمي متعدد الأبعاد سواء بالمعرفة أو بالسياحة أو بالصناعة أو بالزراعة من خلال انشاء مدن صناعية وتجارية وسياحية ستسهم بتغيير بوصلة الاقتصاد العراقي خاصة مع تنمية صناعة الغاز التي ستكون هي أيضاً عاملاً مغايراً يختلف عما قبل 2003".
وبين أن "العلاقات الاقتصادية الثنائية والاقليمية بالتأكيد ستسمح لنمو القطاعات الاقتصادية بعيداً عن التشنجات مع دول الإقليم، وكذلك الحروب والصراعات التي زج العراق بها من قبل النظام المباد لأسباب مختلفة كان من أبرزها ضعف اشراك حلقات المجتمع في اتخاذ القرارات، وكانت القرارات فردية أو محصورة بدائرة ضيقة مما أدى الى هدر حقيقة ثروات العراق لأكثر من 23 سنة بالتحديد منذ سنة 1980 صعوداً"، مشيراً الى أن "عملية التنمية حالياً تأخذ أشكالاً مختلفة، واعتقد أن المواطن على مستوى الاستهلاك والدخل، أصبح يستطيع اقتناء العديد من السلع التي كانت محرومة عليه سابقاً".
ودعا صفوان الى "دعم القطاع الخاص حتى يأخذ دوراً أكبر في قيادة عملية التنمية لاسيما أن الحكومة الحالية تعمل بهذا الاتجاه مع وجود شركاء على مستوى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والصين وأيضاً دول آسيا والدول الاقليمية كلها أدوات تحفز الاقتصاد العراقي على الدخول في منطقة التنويع وبالتالي إمكانية أن يكون لدينا اقتصاد عراقي جديد ينمو من خلال التبادل التجاري والأسواق الحرة واستثمار الموقع الجغرافي واستثمار الموارد المعطلة مثل الفوسفات والكبريت و((السليكية)) وأن يكون العراق ضمن خريطة العالم الاقتصادية".