لإحياء المعالم الأثرية بطريقة تواكب الحداثة.. متاحف افتراضية في الموصل والبصرة

ثقافة وفن
  • 7-03-2024, 15:47
+A -A

نينوى - واع - آية منصور

"كنت أتمنى أن تكون حقاً هذه هي الموصل الحقيقية، التي يحدثاني عنها والداي كثيراً حينما عاشا بها، بكيت عندما شاهدت جامع النوري من خلال صور افتراضية، كانت تبدو وكأنها حقيقية فعلاً، ثم شكرت التكنولوجيا التي قد تعيد لنا جزءاً من حضاراتنا القديمة جداً للعالم، مرة أخرى للحياة".

تبدو نور سعد (26 عاماً) ممتنة للغاية، ومنبهرة، بنظارات ضخمة ترتديها، وتنقل إليها تفاصيل ثلاثية الأبعاد، لشكل مسجد النوري الذي تعرض لتدمير كبير من قبل تنظيم داعش الإرهابي، مع جولات افتراضية أخرى لمعالم أثرية أخرى من المدينة، حدثت بمساعدة مبادرة إحياء روح الموصل، ومؤسسها الناشط أيوب ذنون، الذي أخذ على مسؤوليته - مع عدد من الناشطين والمتطوعين - إحياء تراث هذه المدينة العتيقة وتوثيقها، من خلال افتتاح أول متحف افتراضي لمعالم المدينة، ثم انتقل العمل ليشمل اليوم مزارات مدينة البصرة الأثرية. 

متحف الموصل الافتراضي


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام

يؤكد أيوب ذنون، (31 عاماً)، وهو مؤسس بيت تراث الموصل وسفير مبادرة إحياء روح الموصل، أن الغاية من التوثيق الافتراضي لتلك المواقع خاصة التي تعرضت لتدمير بسبب داعش، هي إعادة إحياء وجودها، على الأقل، بواسطة التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد، ولاطلاع الجيل الجديد عليها، ممن لم يتمكن من رؤية حضارة هذه المدينة قبل 2014، ولاقت الفكرة إقبالاً جماهيرياً هائلاً من قبل مواطني محافظة نينوى، والسواح القادمين إليها.

يضيف ذنون، في حديثه لوكالة الأنباء العراقية (واع): "الكثير من السفرات المدرسية كانت وجهتها نحو متحف تراث الموصل، ثم إلى تقنية التصوير ثلاثي الأبعاد والذي تم خلال عرض نماذج لمبانٍ تهدمت فعلاً بسبب داعش".

ويواصل حديثه: "هذه التنقية الرائعة، نجحت كثيراً في الموصل، وجعلت أيوب ورفاقه يفكرون بنقل التجربة هذه المرة إلى البصرة، التي تحوي العشرات من المواقع الأثرية والتراثية، تلك التي تستحق التوثيق أيضاً، وبدؤوا مع متحف البصرة الحضاري، ومسجد البصرة الكبير "خطوة الإمام علي (ع)".

ويبين ذنون، أن "عملية التوثيق بدأت قبل أسبوعين فعلياً، وهي جزء من مشروع كامل، سوف يشمل جميع المعالم المهمة".

وأكمل قائلاً: "كثير من الأطفال والزوار لم يروا جامع النوري ومئذنته الحدباء، والذي لم يبق منه اليوم إلا قاعدته، نحاول من خلال هذا الواقع الافتراضي أخذ الأشخاص بجولة في تلك المواقع، الأمر الذي دفعنا الى التفكير أيضاً، بما سيود أن يشاهده الطلبة في البصرة وبما يتعلق بحضارة مدينتهم".

كيفية عمل المتحف؟ 

وبحسب ذنون، يُنفذ المشروع بالتعاون مع كل من شركة "قاف لاب" العراقية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) بالتنسيق مع مفتشية الآثار والتراث في المحافظات.

تتيح تقنية الواقع الافتراضي، للزائرين إمكانية مشاهدة أهم المعالم التاريخيّة التي دُمّر أغلبها، مثل "جامع النوري" و"كنيسة الساعة" و"مرقد النبي يونس" و"منارة الحدباء" ومسجد البصرة الكبير، وغيره بتقنيّتي الـ VR  والـ AR،   بالإضافة إلى وجود جهاز Hologram  تُمكن من خلاله مشاهدة الأماكن التراثية على شكل مجسّمات ثلاثية الأبعاد، إلى جانب الشرائط التوثيقيّة التي تُعرَض على شاشة عرض كبيرة داخل المتحف.

ويتم عمل الجولات الافتراضية، عن طريق استخدام التقنيات الحديثة والأرشفة والتوثيق الرقمي من خلال التقاط الصور للمعالم حسب طرق التصوير الخاصة بتصوير المباني والآثار، مع استخدام طائرات درون خاصة من أجل المسح الجوي للمبنى والمعلم المراد توثيقه، ثم جمع هذه الصور وتسجيل المعلومات الخاصة بالمعالم.

وعندها يتم تحويل الصور الملتقطة بعد ترتيبها وتصنيفها، إلى نماذج ثلاثية الأبعاد، تتيح للمتصفح القيام بجولات افتراضية، عن طريق استخدام نظارات الواقع الافتراضي، كما يوضح أيوب ذنوب لوكالة الأنباء العراقية (واع)، مؤكداً أن "العمل لم يتوقف، بل سيستمر من خلال معالم أخرى، لمدن عراقية ممتدة بالتأريخ لجذور قديمة".

الكثير من العمل الجاد 

"عملنا على إقامة ورش للإرشاد السياحي من خلال تدريب 20 شخصاً من أجل الترويج للسياحة في البصرة، وهذا جزء من أهداف المؤسسة، الحفاظ على التراث من خلال استدامة السياحة، كما يتم العمل على إنشاء دليل إرشادي سياحي كتبي يحتوي على أهم المواقع الأثرية والسياحية في البصرة، مع نشاط أخير، سيكون مع الحدث الختامي، لعرض نشاطات المشروع، وسلسلة فيديوهات توثيقية للمهن التراثية في الفيحاء، يقول ذنون.

ويضيف أن "رسالته، هي استخدام التقنية الحديثة، لخدمة أرشفة الحضارة والتراث، العراق بلد مليء بالآثار التي يعاني الكثير منها للإهمال، لكن مواكبة العالم بتقنياته الجديدة، تعمل على تنشيط السياحة وأرشفته واطلاع العالم على تاريخ وحضارة العراق".



بدوره، يقول الآثاري سليم أحمد (46 عاماً) لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "هذه المبادرات الشابة تنعش المدن العراقية وتمكن الناس من معرفة قيمة حضارتهم الحقيقية، تثقيفهم حولها وتعليمهم".

ويبين أحمد، أن "الموصل فقدت أغلب آثارها وتراثها بفعل التدمير، التفجير أو التخريب من قبل تنظيم داعش الإرهابي، كما أن بعضاً من آثارها تم تهريبها خلال فترة الإنفلات الأمني في المدينة، حتى أن مدناً أثرية تعرضت للاندثار بشكل جزئي أو كلي ومنها، النمرود، خورسباد والحضر، لذا من الضروري إعادة دمجها بما تبقى من الآثار، وعدم السماح لأن تصبح مجرد ذكرى".

يوضح أحمد، أن "هذه المبادرة، تضمن بقاء الآثار التي تعرضت للتخريب، ولو بشكل افتراضي، لأنها جزء من هذه المدينة، والأجيال في المستقبل بحاجة لأن يعلموا كم أن مدينتهم غنية بالعظمة".




أمسيات الحب والحياة 

ويقع المتحف الافتراضي في "بيت الارحيم"، وهو من البيوت الموصلية التراثية، المطلة على نهر دجلة. وقد أُعيد ترميمه بعد تحرير المدينة، بسبب تعرضه لإضرار كبيرة بفعل التنظيم الإرهابي.

ويوضح أيوب ذنون، أن "فكرته، تعتمد على إعادة مكانة المدينة التاريخية وتوثيق تراثها الذي مزقته الحرب، وهويتها الثقافية، ويضيف بحديثه لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن العمل مستمر على توثيق المواقع الأثرية الأخرى لتصبح ضمن عروض المتحف الافتراضي".

ويكمل بالقول: "قد يكون المتحف الافتراضي هو البديل الوحيد عن الآثار التي اختفت وتدمرت بشكل نهائي ولا يمكن إعادتها".

ويضيف بتأكيده العمل على "تطوير المتحف وتوسيع المكان لاحتواء المزيد من المقتنيات وتوثيق ما يمكن توثيقه من معالم تراثية، ولا يشمل عرض المقتنيات وحسب، بل يستقبل المتحف، الأمسيات الموسيقية والأدبية حول الموصل وأهميتها".