نسقٌ جديدٌ للحياة

مقالات
  • 4-03-2024, 08:45
+A -A

 د.يحيى حسين زامل

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
يكتب الكثير من الباحثين والأكاديميين عن ظهور قيم وأخلاقيات خارجة عن الإطار التقليدي والقيمي السائد في المجتمع، عادين إياها خروجا عن المألوف والسائد في حياتنا التي تعودنا عليها وألفناها خلال عقود زمنية ماضية، ولا سيما خلال الأجيال السابقة.
فيأتي النقد والاستهجان والاستنكار لهذا النمط الجديد من السلوك والظواهر الجديدة على المجتمع ، والتي يطلق عليها تسميات وتوصيفات مثل الشذوذ والانحراف والخروج عن النسق أو السياق الاجتماعي والثقافي وربما الديني.
ولو رجعت إلى تاريخ تلك النقود والاستنكارات، لوجدت أنها كانت تطلق من نفس جيل ما قبل السابق على الجيل الذي يليه ، ولو تتبعت الأمر لوجدت أن هذا النقد كان ديدن أجيالا سابقة، وكل جيل ينتقد الذي يليه في سياق مستمر ومن دون توقف إلى نهاية الزمان.
وتعد مسألة المجايلة من أعقد المسائل في الدراسات الاجتماعية، فكل جيل يتميز في العادة بنمط يختلف عن الجيل السابق أو اللاحق ، بأنماط وقوالب وسلوكيات وازياء وموضات وغيرها من السمات الإنسانية والجيلية ، لذلك يعبّر الفرد عن هذه الفروقات بأنها لم تكن في جيله ويعدها شاذة ومخترعة ولا تمت بصلة إلى مجتمعه ، وينسى بنفس الوقت أن جيله هو بالأساس كان يصفه الجيل الذي سبقه بالتوصيف نفسه.
ويدخل هذا الموضوع ضمن نظريات التغير الاجتماعي، التي تفسر تغير وانتقال حياة الأفراد والمجتمعات من حالة إلى أخرى، ومن توارد ظواهر اجتماعية جديدة وانتهاء ظواهر وأخلاقيات سابقة، ويأتي هذا التغير انسجاما مع تطور الحياة وتعقدها ودخول المخترعات والاكتشافات، وظهور التكنولوجيا، وظهور انماط حياتية واخلاقية جديدة تتواءم مع التغير الجديد، والذي يبدأ عادة بفئة قليلة ثم يتسع الى الأكثر ثم إلى الاشمل وانحسار السابق كليا.
وياتي التغير أيضا بسبب التلاقح الثقافي والاجتماعي مع مجتمعات أخرى، التي في العادة تكون اكثر تأثيراً كما في الثقافات العالمية أو الاقليمية المجاورة عن طريق السفر والتجارة والأفلام والمسلسلات التلفزيونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والاعلانات التجارية والعولمة وكل الوسائل والأدوات التي بواسطتها تنتقل الاخلاق والقيم الجديدة.
ويرى الكثير من الباحثين الاجتماعيين أن هذا التغير هو تغير طبيعي، وهو تعبير عن الحياة والتفاعل والتواصل ، وكل مجتمع لا يتغير هو مجتمع ميت وجامد إذ لا يتفاعل ولا ينفعل مع ظروف الحياة الطبيعية والاجتماعي والثقافية .
إن كل هذه القيم والاخلاقيات هي تبنيات بشرية وتفاعلات إنسانية، تنم عن فهمنا للواقع الاجتماعي تبنيناها عن قناعة وسوف نتركها عن قناعة أيضا ، ولا خوف من تركها أو إبقائها فهي تؤدي وظيفة اجتماعية، وعندما تنتفي هذه الوظيفة، تنتفي معها هدفها وغايتها
وتمظهراتها.