مختصون: تزايد الإقبال على المكتبات العامة مؤشر إيجابي لانحسار الأمية

تحقيقات وتقارير
  • 30-01-2024, 13:03
+A -A

بغداد ـ واع ـ آية منصور 
لم تكن شيماء أحمد، (٣٣ عاماً) تعلم أن دخولها إحدى المكتبات يوماً، سيقلب حياتها رأساً على عقب، شيماء التي لم تستطع بسبب الظروف من إكمال دراستها الابتدائية، حتى أنها كانت بالكاد تستطيع قراءة سطر واحد، أكدت شكل الكتب ورائحتهن على نافذة إحدى المكتبات، سحبوا قلبها بشكل تدريجي لتجد نفسها في ندوة أدبية داخل المكتبة وهي تناقش رواية "يا مريم" للروائي سنان إنطون، ثم بدأت رحلتها الجديدة. 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
تشهد المكتبات في بغداد والمحافظات، رواجاً في الفترة الأخيرة على إقامة الندوات والورش الثقافية والأدبية، بشكل أسبوعي أو شهري، تمنح انطباعاً مدهشاً برواج الثقافة في البلاد، وانحسار واضح للأمية وفقر القراءة والتعليم، وشيماء التي كانت لا تقرأ بشكل جيد، ساعدتها –وبشكل عفوي وغير مباشر- إحدى المكتبات، للعودة الى القراءة والتعليم.

القراءة التي تنقذنا 
توضح شيماء بحديثها لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أنها:"حينما دخلت المكتبة التي كانت في إحدى شوارع بغداد المكتظة بالأسواق، وجدت أحد الأشخاص وهو يقرأ مقطعاً من الرواية، انبهرت به، ثم سلمت أذنها كلياً للاستماع لأحاديث الحاضرين حول الرواية وفكرتها".
تكمل بحديثها: "بكيت عند عودتي لأنني لم اقرأ يوماً ولم أدرك معنى وأهمية القراءة في الحياة، مذ يومها عملت على أخذ دورات تقوية في الدراسة، واجتازت امتحانات السادس الابتدائي الخارجي، ثم المتوسطة، وها هي اليوم تستعد لخوض امتحانات السادس الاعدادي".
وأضافت أن "تلك التجمعات الثقافية تستهوي الشباب، حيث يشارك فيها الكثير منهم، إنهم يتحدثون عن الكتب والروايات وحتى الفلسفة بحماسة وشغف، يحبون كيف أنهم يمنحون بعضهم البعض المعلومة الجديدة والثقافة الحرة".
العراقي المحب للثقافة 
بدوره، قال صاحب مكتبة ودار نشر، علي جبار لوكالة الأنباء العراقية (واع) أن "المكتبة تقدم الكثير من النشاطات منذ عشر سنوات، ومنها جلسات نادي قراءة للكبار وللأطفال"، مبيناً أن "المكتبة تقيم وبشكل دوري جلسات ثقافية للحديث عن الكتب وأيضاً تطبعها، وتروج للشخصيات التي تستحق الاهتمام مثل الكاتبة سارة فارس، وهي مصابة بشلل رباعي، ولكنها كاتبة مميزة حيث قامت (عراقي بوكش) بتبني كتابتها، وتابعت معها لمدة ست سنوات حتى اكتمل الكتاب وتمت طباعته والاحتفاء به بحفل توقيع". 
لكل جلسة كتبها
وتابع: "أحياناً تختار المكتبة مجموعة كتب، ويتم نقاشها بدون ترتيب، وأحياناً يتم التركيز على اختيار موضوع محدد، سيتم من خلاله اقتناء الكتب التي تتعلق به، بالعادة يتم طرح أسئلة في مجموعة (عراقي بوكش) في الفيسبوك، ومن ثم تُحدد المواضيع، وفي مرات أخرى يكون الموضوع هو الأثر القائم الذي يفرض نفسه، قدمت آخر جلسة عن فلسطين، حيث تمت مناقشة بعض أهم أسماء الروايات والقصص التي تحدثت عن القضية الفلسطينية، النادي يتمتع بحرية مطلقة". 
ولفت الى أنه: "ليس هناك توقيتات محددة، نحدد التاريخ بعد مشاورة الجمهور وحسب ما يناسب، وأيضاً نأخذ بعين الاعتبار الظروف العامة، كما وكثير من الشخصيات المهمة شاركت فيها".
التفاعل الكبير جداً 
وبين أن "تفاعل الجمهور وحماسه كان وما زال كبير جداً، حتى أنه يسبب مشكلة عند حجز القاعة، لأن العدد يكون كبيراً، وهو ما يجعل المكتبة أحياناً، تضع محددات، لئلا يأتي الجمهور ولا يجد مكاناً"، مضيفاً أنه: "في إحدى الجلسات اضطررت أن أقسم الفعاليات، لأن الجمهور كان أكبر من طاقة القاعة رغم أنها كبيرة، ووصل حينها لما يقارب 700 شخص".
وأوضح جبار أن "الذي يفضله الجمهور عادة ويجعله قريباً من المكتبة والكتب أكثر هو الروح الشبابية التي تدير المكتبة، حيث يعمل الكادر على فهم طموح الجمهور وحبهم للإدلاء بالآراء المتنوعة حتى في ما يخص الثقافة والحياة"، مؤكداً أن "مكتبته طبعت الكثير من الإصدارات التي كتبها الأطفال بأنفسهم، وأن "الجمهور بكل مكان وزمان يتأثر بما يراه، لذلك إذا تم تقديم نموذج حقيقي وجاذب لهم، سيهتمون بالكتب".

ظاهرة أذابت الحواجز 
من جانبه، بين الشاعر سعد محمد لوكالة الأنباء العراقية (واع) أن "الحركة الثقافية شهدت في الآونة الأخيرة نهضة نسبية في ما يخص النشاطات الأدبية والثقافية، وهذه النهضة واكبها انتشار ملحوظ لمعارض الكتب التي تقام بشكل دوري على مدار السنة ما أتاح ظهور دور النشر والمكتبات".
وأضاف أنه "ولكي تزيد المكتبات من فاعليتها دمجت نفسها في المجتمع عن طريق ابتداع المقاهي الثقافية كمقهى (گهوة وكتاب) في بغداد ومقهى (ملتقى الكتاب) في الموصل وغيرها، وتناولت هذه الأماكن الأدب العربي بوصفه مثالاً حياً عن طريق إقامة ندوات تستضيف من خلالها شخصيات أدبية بوصفهم شعراء وروائيين وقصصاصين للاحتفاء بهم، وتقديم مؤلفاتهم وتوقيعها للحضور".
ويؤكد سعد محمد، أن "هذه الظاهرة أذابت كثيراً من الحواجز بين المؤلف والقارئ ما دفع  روّاد هذه المقاهي للقراءة والتلقي المعرفي والأدبي ، فضلاً عن المكتبات التابعة للجامعات والمؤسسات التعليمية التي أخذت تستضيف الأدباء للتعريف بمنجزهم الأدبي ومعارض الكتب التي أصبحت تقيم ندوات ثقافية على هوامش المعارض سعياً منها لمنح الروح داخل هذه النشاطات".