الوحش الغربي

مقالات
  • 2-11-2023, 08:01
+A -A

د. عبد الخالق حسن

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
قبل سنوات، كتب الراحل الدكتور إدوارد سعيد كتاباً، كان في حقيقته مجموعة مقالات وأفكار عامة تناولها على مدار أعوام، هذا الكتاب الذي عنونه سعيد بعنوان (الآلهة التي تفشل دائماً)، تحدث فيه عن ازدواجية مواقف المثقفين، وذهابهم وانحيازهم لرب سياسي أو ثقافي يتعبدونه، ويتبعونه. 
يبدو الذي يحصل اليوم في غزة، هو نفس ما قاله سعيد في كتابه، فبعد سنوات من الكلام عن الحداثة وحقوق الإنسان والحريات والتمدن والتحضر، ها هو الغرب يسقط في أسوأ الأوحال، ليكشف عن وجه بغيض وسلوك وحشي وانعدام ضمير وموت للقيم، بمناصرته ووقوفه مسانداً للجرائم، التي يجري ارتكابها على أرض غزة، من دون أن يقيم وزناً لكلِّ متبنياته. 
بل إنَّه لا يخجل أبداً من أن يعلن بكل وقاحة عن استعداده للتدخل عسكرياً إذا تطلب الأمر، وهو ما زال يرسل مساعداته الفتاكة والقاتلة ليهدم البيوت على الغزيين. 
وما حصل قبل أيام من جريمة في مخيم جباليا، لتضاف إلى جريمة مستشفى المعمداني، ليس سوى لحظة توحش غربي لا تساويها سوى لحظة هيروشيما وناكازاكي. 
فالكيان الغاصب قصف مربعاً سكنياً بست قنابل تزن الواحدة منها ستة أطنان، ما يعني أنه يريد بهذا العمل، أن يمحو كل أثر للحياة في تلك المنطقة المعتدى عليها. 
يحدث هذا، ووزير الخارجية الاميركي يذهب للكونغرس، من اجل طلب مساعدات عاجلة بقيمة 14 مليار دولار من أجل دعم الكيان الغاصب في حربه ضد أطفال ونساء غزة. 
لقد أفصحت هذه الحرب الوحشية بكل ما للكلمة من دلالات، عن انهيار مريع وسقوط غير مسبوق للدول الغربية، ومن خلفها المؤسسات الدولية التي تتحكم بالعالم اليوم. 
لكن يظل الموقف المحترم الذي خرج به الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، هو موقف تاريخي ستحتفظ به الذاكرة لسنوات طويلة، كونه قد أعلن بوازع من ضمير، وباستجابة للفطرة الإنسانية عن إدانته للجرائم التي يجري ارتكابها في غزة. 
أما الدول العربية، فما زال العراق يتصدر فيها قمة المواقف في انحيازه بشكل واضح لقضية فلسطين، وهو بموقفه هذا قد أربك الحسابات، التي كانت قد وضعتها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في اتخاذ موقف الإدانة للمقاومة  الفلسطينية. 
وهو ما ذكره قبل أيام، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، الذي قال إن الولايات المتحدة كان تتحضر لجمع حلف إقليمي من دول المنطقة، من ضمنها العراق، من أجل رفض عملية طوفان الأقصى، لكن الموقف العراقي الواضح والصريح بإدانة العدوان أفشل هذه الخطة الأميركية. 
في النهاية، فإن صعود الموجة الدينية الغربية المتشددة والمتبناة من الحكومات الغربية، وانكشاف حقيقة هذه الدول، يجعل أي كلام غربي بعد اليوم عن القيم الأخلاقية والإنسانية، هي مجرد وسائل ابتزاز تستعملها في حروبها ضد الآخرين، فهذه الدول هي آلهة كانت يعبدها الكثير من المثقفين في دول العالم، لكنها آلهة فشلت في أول اختبار حقيقي للإنسانية.