شابة عراقية تتحدى تلعثم وتأتأة الكلام بإنشاء مشروع تعليمي لأقرانها

تحقيقات وتقارير
  • 28-10-2023, 09:23
+A -A

آية منصور- واع- بغداد 
واجهت جنان أكرم (30 عاماً) طوال مشوارها تحديات التلعثم والتأتأة في الكلام، لم يكن الأمر سهلاً معها، أن تعيش بتأتأة وتخوف من النطق أو الحديث العابر العام مع فرد أو وسط مجموعة، كل شيء كان مرعباً بالنسبة لها، أن تنطق بحرف، وتخشى تكملة جملته، لكنها حولت حربها هذه الى نجاح بإنشاء مشروع شخصي خاص بها لمحاربة مشكلة التأتأة وتمكنت من النصر. 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
مشروع لمساعدة المتلعثمين 
وانشأت جنان، كما توضح بحديثها لوكالة الأنباء العراقية (واع) مشروعاً لمحاربة التأتأة، من خلال إقامة الورش التعليمية، فتبدأ بخطوات مثل: كيفية وضع القلم بين أسنان المتلعثمين والتحدث بثقة. وتشارك جنان تجربتها الشخصية مع التلعثم، حيث تذكر كيف تعرضت لصدمة عندما كانت في التاسعة من عمرها، مما أدى إلى فقدانها القدرة على التحدث وعزل نفسها لمدة ثلاثة أيام. بعد جهود مضنية لاستعادة قدرتها على التحدث، اكتشفت أنها لا تستطيع إكمال جملة واحدة دون تلعثم، وتكمل بحديثها قائلة:

"التأتأة حالة تؤثر بشكل سلبي على حياة الأفراد وتجبرهم على العيش في الظلام إذا لم يتعاملوا معها بشكل فعال، وخلال تدريبي للمتدربين في ورشي، كنت أؤكد لهم، أننا لسنا وحدنا الذين نعيش هذه الحالة، بل أنها شائعة جداً في الحياة، ولكن الآخرين غير قادرين على تفهم هذا الموضوع مما يجعلهم يسخرون من المتلعثم ويحيلون حياته جحيماً". 
حينما كانت جنان صغيرة، لم تكن تدرك ما هي صعوبة النطق والتلعثم، وما إذا كانت وحدها من تعاني من هذه المشكلة أم أنها مشكلة شائعة بين البشر. ومع مرور الزمن، أصبحت كلماتها مصدراً للضحك والسخرية من قبل الأطفال، مما جعلها تدرك أن ما تواجهه ليس أمراً طبيعياً، فعاشت بانعزال شديد. ولم تستطع بناء صداقات أو المشاركة في ألعاب الأطفال، وتجنبت التحدث خوفاً من التعرض لمواقف محرجة. هذا الوضع جعلها تشعر بالضعف والخوف دائماً.

تقول جنان: "كنت ألجأ إلى العزلة والبكاء تحت المقعد في المدرسة، لأنني كنت أعيش في عذاب متواصل، وكنت محتارة حيال كيفية التخلص منه. حتى خلال سنوات الجامعة، استمرت معي هذه المشكلة."

تتذكر جنان أيضاً محاولات أفراد أسرتها لمساعدتها، ولكن دون جدوى. حينما يراها تتلعثم أمام أفراد عائلتها، يحاولون مساعدتها بطرقهم الخاصة، محاولين إيجاد حل لمشكلتها.

تضيف جنان: "كلما تلعثمت أمامهم، كانوا يحاولون إثارة هلعي وخوفي، على أمل أن يتخلصوا من هذه الحالة عن طريق الترهيب، لكنهم لم يدركوا أن هذا الأمر لم يجد نفعاً، كلما زادوا في تجريحي وسخريتهم مني."

حرب ضد التأتأة 
جنان انتفضت وقررت محاربة التأتأة، وهذا على الرغم من الصعوبات الكبيرة التي واجهتها. بدأت بالبحث عن علاج والاستعانة بمحترفين لمساعدتها. كانت تواجه صعوبة كبيرة في النطق، حتى وصلت إلى مرحلة لا تستطيع فيها حتى نطق اسمها بشكل صحيح. كانت تعيش في خوف مستمر من مواقف محرجة حينما تجد صعوبة في التحدث أمام الآخرين. 
جنان بدأت بالتمارين والجهد الجاد للتخلص من هذه الصعوبة. تحدثت عن كيفية قراءتها للنصوص والقصائد لنفسها وكيف كانت تحاول تقليل وقت القراءة لتجعلها أقصر من ثلاث ساعات. تركزت جهودها على تخطي هذا العائق الذي جعلها ترفض نفسها بالكامل وتشعر بالعزلة، تقول:
"كنت أخشى أن يسألني أحدهم شيئاً ما وأشعر بأنني أرغب في البكاء لأنني لا أستطيع نطقه".
بعد تخرجها من معهد التقنية بتخصص المعلومات والمكتبات. قررت الانضمام إلى كلية الفارابي لتخصص الإعلام والصحافة الإذاعية والتلفزيونية، حيث رأت أن هذا التخصص يمكن أن يساعدها على تخطي التلعثم بسبب ارتباطه بالصوت.

حينما يصبح الألم ملهماً 
جنان بدأت تعلم كيفية التحكم في نطق اللسان والتغلب على مشكلة التلعثم عن طريق الإنترنت أثناء دراستها في الجامعة. بدأت بالبحث عن "علاج أو حل" لهذه المشكلة، واكتشفت أن هناك "طرقاً للتحكم في التلعثم" بدلاً من وجود علاج طبي. حيث تقول بكلامها لوكالة الأنباء العراقية (واع): " وجدت تمارين متنوعة ومخصصة تساعدني على التحكم التدريجي في نطق الأحرف وتطوير مهارات اللسان والنطق، واكتشفت أنه ليس هنالك من علاج لهذه الحالة بل تمارين مكثفة وخاصة مستمرة، قضيت ست سنوات من عمري في العزلة لأنني كنت أخشى أن أي موقف سيعيدني إلى نقطة الصفر، وكنت أفضل أن أتعامل مع هذه المشكلة بمفردي، تلقيت بعض الدعم من أساتذتي الذين ساعدوني في قبول وتقدير التلعثم ثم تجاوزه".
من أين الفكرة؟ 
جاءت فكرة مشروع محاربة التأتأة لجنان، بعد أن قدمت ورشة عمل لمدة 3 أشهر في إحدى المدارس الإعدادية. كانت المحاضرة الأولى في حياتها تجربة صعبة جداً بالنسبة لها، حيث كانت تتلعثم طوال الوقت وتشعر بالخوف من نظرات الطلاب وكانت الورشة علمية وتتطلب قول مفردات ومصطلحات علمية. ومن خلال هذه الورشة، اكتشفت وجود بعض الأشخاص الذين يعانون من نفس مشكلتها. أحد هؤلاء الأشخاص كان يرفض النطق وكان هذا اللقاء هو ما دفعها لبدء مشروعها، وتكمل بحديثها لوكالة الأنباء العراقية قائلة: "هدفت من خلال مشروعي "محاربة التأتأة" إلى تمكين الأشخاص الذين يعانون من التأتأة والانعزال، وجعل أصواتهم مسموعة في المجتمع. أسعى إلى وقف التنمر والضحك على هؤلاء الأشخاص واستخدامهم كموضوع للسخرية في الحياة اليومية وحتى في وسائل الإعلام. وتوعيتهم بفكرة وجود الحلول لهذه المشكلة بدون الحاجة إلى العلاج الطبي".
وتقوم أكرم بتقديم ورش تدريبية ومحاضرات لمساعدة الأشخاص على التغلب على التأتأة وجميعها بشكل مجاني تطوعي. واستخدمت مجموعة من التمارين لمساعدة الأشخاص على التحكم في التأتأة، بما في ذلك تمرين التنفس الضلعي الذي يتضمن حبس النفس قبل نطق الحرف ومن ثم نطق الكلمة أو الجملة. تلك العملية تساعد على التحكم بالكلمات التي قد تكون صعبة عند النطق. ومن خلال مشروعها، تمكنت جنان من نشر التوعية حول التلعثم ومساعدة الكثير من الأشخاص على التغلب على هذه المشكلة والتخلص من الخجل والخوف النفسي، وأصبح أعضاء مشروعها وورشها بالعشرات بعد أن تمكنت من تقديم عشرات الورش بالتعاون مع منظمات وأماكن، وتستمر حتى يومنا بنشر التوعية حول هذا الموضوع.