في الذكرى التاسعة للإبادة الأيزيدية: ناجية تروي حكايتها وتستذكر فظائع داعش بعد سبيها

تحقيقات وتقارير
  • 4-08-2023, 11:06
+A -A

بغداد- واع - آية منصور
كنت لا أعلم شيئاً عن الحياة سوى تلك الموجودة في منزل عائلتي في سنجار، شجرة وجدة، وضحكات وألعاب مع الجيران، ثم اكتشفت أن في الحياة هذه، شر لا يمكن استيعابه أبداً، كنت أبلغ أحد عشر عاماً حينما تم اختطافي على يد داعش الإرهابي، فعشت طفولة لا أتمناها لأحد.

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
هذا المشهد تحاول اليوم سوزان حيدر المواطنة الأيزيدية صاحبة العشرين عاماً بعد تسع سنوات من الإبادة الأيزيدية، المضي بحياتها، كناشطة، وناجية لا تنسى الماضي، ولا أحبتها الذين اختفوا معها، لكنها تشق طريقاً نحو الأمل من خلال إعادة بناء وتشكيل حياتها، بالدراسة والعمل التطوعي، إذ تعمل على مساعدة الناجيات وتقديم الدعم النفسي إليهن، لتخطي عذاباتهن في المخيم الذي تسكن داخله في دهوك.
  
بداية الوجع
 كان الطقس ساخناً للغاية، حينما قررت عائلة سوزان والبالغ عددهم اثنا عشر شخصاً، التوجه على ظهر جرار زراعي، لقد علموا أن إرهابيّ داعش قد اقتربوا من قريتهم، فحاولوا الهرب، كما تبين بحديثها لوكالة الأنباء العراقية (واع) لكن الأمر لم يدم طويلاً، حتى ألقوا القبض على العائلات الهاربة، وقرروا فصل الرجال عن النساء.
 وتروي سوزان: "بدأوا الإرهابيون بتفحص أعمار الفتيات، وسحبوا منا العزباوات وكل من تتعدى الثانية عشرة سنة، كنت أصغر بعام، تركوني مع أمي، وفصلونا عن والدي وأخوتي، لكنهم أخذوا أخواتي الثلاث لمكان مختلف، نعم إننا توزعنا ولم ننجمع معا منذ ذلك اليوم".
 وأضافت :"استمرت حكاية التنقلات والتعذيب الجسدي والنفسي، فعصابات داعش كانت قلقة طوال الوقت، لذا فإنهم لطالما أخذوا كل المختطفين من مكان نحو آخر، سرقوا هواتفهم وأموالهم والمصوغات الذهبية، فرضوا عليهم الأعمال الشاقة لخدمتهم، ثم بدأوا بتدريب الصغار الذكور على السلاح ورمي القنابل وصناعتها".
 
التعذيب المتنوع
 وتوضح سوزان: "أنهم وبعد تنقل مهلك استمر لأكثر من سبع مرات في أماكن وأقضية لا تعلم بها ولا تعرف عنها شيئاً، أنهم يقولون اسماً للمكان، لكنه ليس الاسم الصحيح، قاموا بعد ذلك، بفصل النساء عن الأطفال، لتبدأ وجعاً أبدياً، وذلك من خلال فصلها عن أمها وأخيها، لتبقى معها اختها الأصغر التي كانت تبلغ حينها ثماني سنوات فقط".
 وتابعت: "جمعونا، نحن الصغار في مدرسة مكونة من طابقين، الفتيات في مكان، والأولاد في آخر، كان معنا أطفال رضع، كنا نقوم بتنظيفهم ورعايتهم، لكنهم يبكون طوال الوقت، وبعضهم توفي نتيجة الظروف السيئة، نساء وزوجات قياديي داعش، كُنّ يتولنّ مهمة السيطرة والصراخ علينا وضربنا، وأحيانا، يأخذوننا للعمل كخادمات في منازلهم".
  
كيف تصبح سبية لهم؟
 كل هذا، أصبح هيناً، حتى قرروا أن أكون سبية، وحدث الأمر هكذا، جلب القياديين وعاء معدنياً، وضعوا أسماء الفتيات، وبدأ كل واحد منهم، يسحب اسماً، نعم، قرعة لاختيار أقدارهن، لأصبح رهينة عند شخص يُدعى "أبو ضياء" فيما ذهبت أختي، لآخر وأصبحت وحيدة ولا أعلم أبداً أي شيء عن عائلتي كلها، كان أبو بياء يعذبني مع زوجته، ويجبراني على تنظيف المنزل، ورعاية أولادهم، وكانوا يقولون عني أني كافرة، ويبصقون بوجهي كثيراً، لا يقدمون لي سوى بقايا الطعام البائت، ثم قرر بيعي بـ 600 دولار".
 وأضافت سوزان: كنت أمر بأشهر صعبة للغاية، أبكي طوال النهار، واستذكر عائلتي، وأتساءل عنهم من دون جواب سوى الضرب، تكرر بيعي لأكثر من مرة، حتى حاولت الهروب لكن تم الإمساك بي من قبل الأمن الخاص بهم، حيث قاموا بتسليمي لسيارة محملة بالقياديين، وطلب مني أحد الموجودين، أن اختار شخصاً ما لأكون ملكه، لكني رفضت وصرخت قائلة" نحن لسنا بغنم يتم بيعه كل يوم" ضربني بقوة وقال: كافرة، ثم أشار بإصبعه لشخص ضخم وأكد لي بأنه اشتراني بـ 4500 دولار".
كان الإرهابي أبو أنس، وهو قيادي، اشترى سوزان بهذا السعر، من أجل استعبادها واغتصابها، كانت قد أصبحت ثلاثة عشر عاماً، لتدخل في خانة حزن وفجيعة جديدتين.
 وتابعت: "كل شيء كان يتجه نحو الهاوية، لدرجة أني وكل مرة من الزمن، اشعر بأن ما سبقه من عذاب، كان أهون، ذلك لأن من امتلكني قبله لم يعتدوا علي، لكنه فعلها وجعلني اشعر برغبة بالموت كل يوم، ورغبة بإيذاء نفسي، كان وكلما سمعت صوته أصبت بالذعر والهلع، شكله يرعبني ويمنحني الكوابيس، حاولت الهرب وحاولت إيذاء نفسي، فعلت كل شيء من أجل الخلاص، حتى زوجته حاولت مساعدتي وكانت متعاطفة معي".
 باب الأمل
 استمر وضع سوزان هكذا، قبل أن تقرر في ليلة من ليالي التحرير فتح أبواب النور مجدداً، تقول إنها كانت تنام في السطح على الأرض، لا غطاء، أو فراش، أو وسادة، فتعرض المقر للقصف، كانت لا تعلم أن القوات العراقية قادمة لتحرير المدينة.
 وتقول: "وجدت نفسي تحت الأنقاض، مصابة بكسور، لكني أسمع أصوات تبحث عن ناجين، خرجت أصرخ: أنني إيزيدية، وأنني ضحية لهم، تبين أنني كنت أعيش في الجانب الأيمن من الموصل، فمنحوني هاتفاً وطلبوا مني أن أتصل بمن أعرفه، لقد كانت وجوههم وثيابهم العسكرية بمثابة شكل الأمل الذي لطالما تخيلته في رأسي".
 بعد مدة من الزمن، تمكنت سوزان مجدداً من الاجتماع بأمها، فيما تمكنوا من جمع الأموال لاسترداد ثلاثة من عائلتها، لكنها لا تعلم شيئاً عن والدها وأخواتها الثلاث، جليلة، خولة، وإخلاص، فيما تكمل البحث عنهم اليوم، تقول إنها تشتاق اليهم وتتمنى معرفة أخبارهم، تشعر بغصة كلما تذكرت أنهم قد يمرون بنفس ما مرت به، فتستمر كذلك، بالدفاع عن قضايا الأيزيديين وحقيقة ما جرى لهم.