الجهاد الكفائي.. فتوى رسمت منعطفاً تاريخياً وسياسياً لعراق جديد

تحقيقات وتقارير
  • 14-06-2023, 22:31
+A -A

بغداد- واع- نصار الحاج- حيدر فرمان
لا تزال ذكرى فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقتها المرجعية الدينية العليا المتمثلة بالسيد علي الحسيني السيستاني، مناسبة مقدسة لدى العراقيين بكل أطيافهم لما أحدثته من نصر يمتد بفخر للأجيال القادمة.

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
إعادة التوازن للقطاعات العسكرية.
المتحدث باسم هيئة الحشد الشعبي عبد الهادي الدراجي، قال لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن" المرجعية لعبت دوراً كبيراً في فتوى الجهاد الكفائي متمثلة بآية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)، إذ إنه شخَّصَ مكامن الخطر والخلل الكبيرين اللذين حصلا آنذاك والإجراءات الخاطئة، فضلاً عن التوظيفات الخاطئة والمؤامرات وغيرها من الأمور".
وبين الدراجي، أن" المرجعية كانت سبّاقة في رصد هذه الحالة وبفتواها المباركة استطاعت أن تعيد التوازن الكبير للقطاعات العسكرية، إذ أسست وأنشأت فتوى الجهاد الكفائي التي تمخض عنها الحشد الشعبي الذي كان رديفاً أساسياً للقوات المسلحة في وزارتي الدفاع والداخلية وجهاز مكافحة الإرهاب وغيرها من القطاعات الأمنية والعسكرية".
منعطف تاريخي
وأضاف، أن" الفتوى شكلت منعطفاً تاريخياً وسياسياً في لملمة الأوراق وإعادة البوصلة الأمنية لصالح قواتنا مجتمعة، وعلى غرار ذلك كان الحشد الشعبي والمتطوعون العراقيون إخوة وسنداً لأبناء الجيش العراقي، إذ سطروا أروع البطولات والملاحم الكبيرة والعظيمة وتحقق النصر الكبير بإزاء الدمار الشامل الذي كان يعم تلك المناطق التي غزتها عصابات داعش".
وأشار إلى، أن" المرجعية كانت تدرك بعمق ما الذي تريده داعش وما الذي تخطط له، وبذلك تمكنت المرجعية من إعادة التوازن للقطاعات العسكرية من خلال فتوى الجهاد الكفائي، إذ رسخت مبدأ الثقة والاندفاع العقائدي والاندفاع الوطني باتجاه العراق، وبثت روح الشجاعة لكل أبناء الشعب، لذلك شاهدنا صوراً للصغير والكبير والمرأة والشاب كل هؤلاء ارتدوا الملابس العسكرية وذهبوا للدفاع عن الوطن".
مبدأ جديد
وأردف بالقول:" فتوى الجهاد الكفائي عندما أعلنها وكلاء السيد السيستاني في صلاة الجمعة من كربلاء المقدسة، أسست مبدأ جديداً ونقلت الجو العام من حالة الفشل والعجز واليأس إلى مبدأ الشجاعة والإقدام والإسهام في صنع الانتصارات، وكان الشهيد الحاج أبو مهدي المهندس أول من بادر إلى هذا الواجب الكفائي".
وتابع، أن" هيئة الحشد الشعبي تأسست آنذاك وانطلقت محافل المقاومة لتأسيس وتعزيز مبدأ الدفاع عن الوطن من خلال اللحمة الوطنية التي اشترك فيها السني والشيعي والكردي والايزيدي والتركماني والشبكي وكل أطياف الشعب العراقي مجتمعة مع القطاعات الأمنية المشتركة لتطبيق هذه الفتوى ودعمها وتحقيق الانتصار".
ولفت، إلى أن" العراق حالياً يعيش الأمن والاستقرار والعمران والوضع الاقتصادي المستقر، بفضل الفتوى الكبيرة وتأسيس الحشد الشعبي الذي أعطى دماء كثيرة وعظيمة استطاع من خلالها أن يصنع النصر وأن يستمد من الفتوى كل البطولات والتضحيات وأعطى هؤلاء الشهداء من أجل هذا الوطن"، منوهاً بأن "الفتوى لم تسهم فقط في تأسيس النصر لصالح القوات العراقية بل أسهمت بصنع الإيمان بالنصر".
وأشار إلى، أن" قداسة البابا عندما زار السيد السيستاني، توجه إليه بشكل مباشر لحماية المسيحيين، فالفتوى أسهمت في حماية الشعب العراقي عموماً وغيرت مجرى التاريخ والأحداث وغيرت المعركة التي كانت داعش تدعي فيها النصر إلى مفهوم الهزيمة؛ لأن الجميع استمد من الفتوى تحقيق النصر ولم ينظروا إلى هذا النصر فحسب بل إلى ما بعد هذا النصر"، مبيناً، أن" الفتوى أرجعت للعراقيين كرامتهم ومصيرهم الحتمي من أجل عراق خال من الظالمين والتكفيريين والتطرف".
هجمة شرسة
من جانبه، قال مسؤول لجنة الإرشاد والتعبئة للدفاع عن عراق المقدسات- قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العلوية المقدسة، عادل السوداني، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إنه" بعد سقوط الموصل يوم التاسع من حزيران عام 2014، وبعض المدن الأخرى بيد عصابات داعش، وتعرض العراق إلى تهديد لجميع مكوناته العرقية والطائفية، واقتراب هذه العصابات بشكل كبير من دخول العاصمة بغداد والإعلان عن نيته بالزحف إلى كربلاء المقدسة والنجف الأشرف وسامراء وتهديم المراقد المقدسة فيها، جاءت فتوى الدفاع الكفائي التاريخية للمرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني (دام ظله) لتعطي الإذن الشرعي بالتصدي لهذه الهجمة الشرسة".
وأضاف السوداني، أن" العتبة العلوية المطهرة سباقة لتلبية نداء المرجعية، من خلال تشكيل غرفة عمليات أخذت على عاتقها عدداً من الأمور، من بينها تشكيل لجنة لإغاثة النازحين، فتكفلت بتقديم الدعم بمختلف أنواعه لثمانين ألف نازح ممن اختاروا جوار أمير المؤمنين (عليه السلام)، فضلاً عن تشكيل فرقة الإمام علي (عليه السلام) القتالية والتي وصلت أعداد المتطوعين فيها إلى أكثر من 12 ألف مقاتل".
لجنة الدفاع عن عراق المقدسات
وأشار، إلى" تشكيل لجنة الإرشاد والتعبئة للدفاع عن عراق المقدسات التي تضم أساتذة وطلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف، لتكون حلقة الوصل بين المرجعية الدينية والحوزة العلمية والمقاتلين في ساحات الجهاد"، مبيناً، أن" لجنة الإرشاد والتعبئة للدفاع عن عراق المقدسات تعتبر واجهة العتبة العلوية المقدسة في مجال التبليغ الديني والدعم اللوجستي والطبي أثناء التصدي لداعش الإرهابي إضافة إلى الجهود التي بذلت من قبل أقسام العتبة الأخرى، كالآليات والإعلام وغيرها".
ونوه، بأن" اللجنة تنطلق في عملها من ركائز ثلاث بنيت عليها وهي: نداء المرجعية العليا، والحوزة العلمية بفضلائها وأساتذتها وطلبتها، والعتبة العلوية المقدسة لما يمثله صاحبها من عنوان وقيمة معنوية وعقائدية ودينية رفيعة في نفوس المجاهدين وكانت لها أدوار متعددة منها في مجال التبليغ والإسناد الحربي".
وتابع، أن "اللجنة أوفدت أكثر من (3600) وفد تبليغي وإسناد حربي إلى الجبهات كافة، اشترك فيها أكثر من (800) مبلغ من أساتذة وطلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وكان مبلغوها في مقدمة الملبين للفتوى المباركة وتسابقوا للالتحاق بصفوف المتطوعين، حاملين في صدورهم مسؤولية الدفاع عن عراق المقدسات جنباً إلى جنب مع القوات الأمنية وفصائل المتطوعين في الحشد الشعبي بالإضافة إلى تحمل مسؤوليات أخرى".
وبين، أن" اللجنة أسهمت في تقديم رؤية واضحة لمفهوم الجهاد بين المقاتلين وفق مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وتسليط الضوء على فتوى المرجعية، وإيصال صوتها وتوصياتها، ورفع الحالة المعنوية للمجاهدين، وتقديم الدعم اللوجستي لهم ومشاركتهم القتال أيضاً في بعض الجبهات إن تطلب الأمر، وبيان الأحكام الشرعية وتصحيح التكليفات العقائدية والفكرية والأخلاقية، فضلاً عن افتتاح (22) محوراً تبليغياً متكاملاً في جميع مناطق العمليات، كما أنها قدمت 15 شهيداً وعشرات الجرحى".
دعم لوجستي وطبي
واستكمل السوداني، أن" الدعم اللوجستي للجنة تمثل بإنشاء (15) مخزناً للمؤن والمواد الغذائية لغرض تجهيز القطعات، و(6) مواكب كبيرة لإطعام المقاتلين، وأمنت كل احتياجاتها وكان بعضها يجهز المقاتلين بأكثر من (3) آلاف وجبة في اليوم"، منوهاً، بأن" اللجنة بالتعاون والتنسيق مع قسم الآليات في العتبة المقدسة أوفدت أكثر من (3) آلاف عجلة مختلفة الأحجام والأنواع نقلت آلاف الأطنان من المؤن والتجهيزات العسكرية من قبل مواكب الدعم اللوجستي لأهالي النجف الأشرف والمحافظات الأخرى، وجهزت القطعات من خلال تصنيعها (300) موضع دفاعي ومئات الخيام والسرادق والحمامات المتنقلة وآلاف القطع من معرقلات المفخخات وجهزت التشكيلات بمختلف أنواع الأسلحة والأعتدة".
وبخصوص الدعم الطبي، قال السوداني، إن" اللجنة تكفلت بعلاج عدد كبير من جرحى القوات الأمنية والحشد الشعبي بإرسالهم إلى لبنان والهند والجمهورية الإسلامية عن طريق المتبرعين، إضافة إلى تكفل علاج عدد من الجرحى داخل العراق، كما أنها وفرت تذاكر النقل وتأشيرات الدخول لأكثر من (400) جريح للسفر خارج العراق من خلال التنسيق مع شركات الطيران والمتبرعين، إضافة إلى إرسال عشرات الأطنان من الأدوية والمستلزمات الطبية إلى القطعات والمستشفيات الميدانية، وبإشراف كادر طبي متطوع ومنذ الأيام الأولى للفتوى المباركة، إلى جانب افتتاح مستشفى الشهيد محمد الماجد الجراحي في مدينة سامراء ومركز الأمير الصحي في النجف الأشرف لتقديم الخدمات الطبية".
ولفت، إلى أن" اللجنة أقامت عشرات المعارض في النجف الأشرف وبغداد والبصرة وذي قار وواسط وسامراء؛ لإدامة زخم المعركة وتعبئة المواطنين، فضلاً عن طباعة آلاف الكتيبات والبروشرات والبوسترات والملصقات التي تحث على الجهاد والمرابطة وبعض الأدعية ووصايا المرجعية العليا وزعت في الجبهات على المقاتلين، وتوزيع مئات آلاف من الهدايا من حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) على القادة والآمرين والمقاتلين والداعمين، علاوة على إقامة مسابقة فنية كبرى لعمل نصب لشهداء الفتوى في النجف الأشرف إلى أن تحقق النصر الكبير بفضل الله عز وجل وفتوى المرجعية الرشيدة ودماء الشهداء والجرحى والتضحيات العظيمة لأبناء العراق الغيارى".
منجزات الفتوى
وبشأن المنجزات المتحققة للفتوى المباركة، قال مسؤول لجنة الإرشاد والتعبئة للدفاع عن عراق المقدسات، إن" الفتوى كان لها الأثر الكبير في الحفاظ على وحدة البلد وأفشلت مخططات دوائر المخابرات العالمية والتي كادت أن تؤدي إلى تقسيم العراق والمنطقة وإحباط مخططات الأعداء الذين أرادوا لداعش أن يعيث فيه الفساد لعشرات السنين".
وأضاف" تم تأسيس قوة عسكرية تؤمن بعدالة معركتها مع الأعداء ومستعدة للتضحية بالغالي والنفيس من أجل الانتصار في تلك المعركة، وقوام هذا القوة المتطوعون في الحشد الشعبي الذي انخرط في صفوفه أبناء العراق بكل أطيافهم، وانتماءاتهم، وأعمارهم، ومهنهم؛ للدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات، بعد أن شحذت المرجعية العليا الهمم وأثارت مواطن الغيرة والحمية في نفوس المواطنين من أجل تلك المعركة، حتى لبَّى نداءها مئات الآلاف من المتطوعين وتشكيل هذا القوة خلال 48 ساعة".
وأشار إلى، أن" الفتوى أعادت الثقة لدى أفراد الجيش العراقي والقوات الأمنية الذين تزعزعت معنوياتهم بعد أن نخر الفساد والسياسة في المنظومة الأمنية، وتشخيص مكامن الخطأ ومعالجة الإخفاقات، علاوة على تعزيز أواصر الأخوة والمواطنة وروح التعايش بين أبناء البلد من خلال إيعاز المرجعية إلى المواطنين بتقديم الدعم واحتضان عشرات الآلاف من التركمان والشبك والمسيحيين والأقليات الأخرى، وإيوائهم في المواكب والحسينيات وغيرها، إضافة إلى إيعاز المرجعية إلى المواطنين بإيصال آلاف الأطنان من المؤن إلى معسكرات النزوح في المناطق التي يقطنها السنة، كما تولى مكتب المرجعية في النجف الأشرف القيام بشكل مباشر بهذه المهمة من خلال تشكيل لجنة لإغاثة النازحين وصرف مبالغ ضخمة من أجل توفير تلك المؤن والمواد الغذائية".
وتابع، أن" من بين المنجزات المتحققة، التأكيد الصارم بتطبيق أخلاقيات الحرب وفق المنهج الإسلامي الأصيل من خلال توجيه التوصيات للمقاتلين بالحفاظ على حياة الإنسان وكرامته وممتلكاته مهما كان انتماؤه، وتقديم تلك المبادئ على الإنجازات العسكرية المتوخاة، والتي وصفت منظمة نداء جنيف تلك التوصيات بأنها اختصرت القانون الدولي الإنساني".
وأشار، إلى" مساهمة الفتوى في تعزيز ثقافة الحوار الهادف بين أتباع الأديان والتي تجسدت في زيارة بابا الفاتيكان للنجف الأشرف وتقديمه الشكر للسيد السيستاني (دام ظله ) كما ذكر ذلك في البيان الذي صدر بعد اللقاء بينهما من المكتب الصحافي للكرسي الرسولي".
واستطرد، أن "الفتوى المقدسة، عززت قدرة العراقيين وإمكانيتهم على تجاوز الصعاب والقضاء على روح الإحباط والانكسار التي مر بها الشعب بعد أن تكالبت عليه قوى الشر والإرهاب من مختلف بقاع الأرض وبدعم وتمويل وتجنيد من دول كبرى ودول إقليمية، كما وساهمت في تعزيز مكانة الحوزة العلمية ومرجعية النجف الأشرف القيادية وقدرتها على مسك زمام الأمور التي عصفت بالعراق رغم المأساة وجسامة التضحيات".