في الذكرى التاسعة لفتوى الجهاد الكفائي (واع) توثق ملاحم بطولية خطت بأناملها حكاية الانتصار

تحقيقات وتقارير
  • 13-06-2023, 19:12
+A -A

بغداد- واع – مراسلون
تسعة أعوام مرت على الفتوى العظيمة للمرجعية العليا، فتوى الجهاد الكفائي التي قدمت درساً بالتلاحم الوطني، بعد أن هب أبناء هذه الأرض للاستجابة لتلك الفتوى المباركة، من عاش تلك الحقبة المظلمة وهو يتابع كيف نهشت الوحوش السوداء جسد العراق واستباحت مدناً تحمل بقايا حضارة تعود الى آلاف السنين، لم يدور في ذهنه بأن هذه الأرض ستعود للنهوض ثانية، وأن هذه الوحوش ستسحق تحت أقدام فرسان جادوا بالغالي والنفيس من أجل وطنهم، في ذلك اليوم العصيب، ساعة الموت قاربت على عزف آخر موسيقاها الحزينة على جثث مغدورة ومدن مغصوبة، وكل شيء بدا حالك السواد يئن من الوجع، وفجأة توقف كل شيء، وأخذت عقارب الساعة تعود الى الوراء مسرعة لتمزق الصعاب، والشمس تنثر شعاعها في كل مكان لتجلي ذلك السواد، صوت الموت تحول الى أنشودة وطنية وأهزوجة يرددها الكبار والصغار كلٌ حامل أمنياته وذكرياته على شكل كفن بلون علم الوطن، فتوى ترقبها الجميع وكأنهم على موعد مع الحبيب، فتوى صدحت من أرض النجف الأشرف، لتدوي في سماء العراق وما زال ذلك الصوت يلهم الأشاوس الذين استنبطوا منها دروساً وحكايات ستمثل بوصلة نصراً للأجيال المقبلة.

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام

منعطف تأريخي كوني

وكالة الأنباء العراقية (واع) استحضرت في الذكرى التاسعة لفتوى الجهاد الكفائي الملاحم البطولية التي خطت بأناملها حكاية الانتصار على عصابات داعش الإرهابية لتحرر الأرض والعرض من دنس هذه العصابات الإرهابية، وفي هذا الصدد قال نائب قائد العمليات المشتركة، الفريق الركن قيس المحمداوي، لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "الفتوى العظيمة للمرجع الأعلى في حزيران العام 2014، مثلت منعطفاً تأريخياً قبل أن تكون منعطفاً أمنياً في المفهوم الأمني في كل العالم".
وأضاف المحمداوي، أن "حالة التعبئة والاستعداد وحركة القطاعات عبر كل معارك التأريخ، لم تشهد توافد عشرات الآلاف من المقاتلين بوقت قياسي وبشكل طوعي وباندفاع كبير، ويكون الجد مع الابن مع ظهيرهم من النساء العراقيات المتمكنات بتشجيع أبنائهم للذهاب والشهادة من أجل العراق".
وأكد أن "فتوى الجهاد الكفائي تعد منعطفاً كونياً قبل أن تكون منعطفاً أمنياً تأريخياً ومنعطفاً من شأنه إعادة التوازن بشكل كبير لقطعاتنا الأمنية وبداية جديدة، إذ بعد أن وصلت عصابات داعش الإرهابية على مشارف بغداد في جرف النصر، وضعف العامل النفسي لقطعاتنا الأمنية وعموم الشعب، جاءت الفتوى التي مثلت انعطافة بدأنا نجني ثمارها لاحقاً".تحول مفهوم المعركة

وتابع: "بعد وصول آلاف المتطوعين الأبطال إلى جبهات القتال بشكل سريع وخلال ساعات، عادت المعنويات إلى القطعات الصامدة التي تواصل القتال، إضافة إلى مفهوم العمليات والمعركة إذ تحول من عملية دفاع إلى استعداد وثبات وتعرض".
ولفت إلى أن "هناك مناطق كان يطلق عليها خلال الحرب على داعش (المناطق الصامدة) مثل الضلوعية وآمرلي والجغايفة وعامرية الفلوجة وقسم من تلعفر، إذ استمر أهلها بالصمود ومقاومة داعش، فجاءت الفتوى المباركة لتعيد الثقة والأمل لهذه المناطق المحاصرة، وجرى التفكير بشكل جدي بأن يكون لها أسبقية في عمليات التحرير، ما أسهم بإعادة القيادة والسيطرة وجمع القطاعات والتفكير جدياً بالمعارك القادمة".

بداية النصر الكبير

وأكد المحمداوي أنه "بعد الفتوى مباشرة تحول المشهد إلى توقف تام لأي تمدد جديد لداعش الإرهابي لمدن وقواطع وأقضية ونواحي جديدة على الأرض، وتم البدء بعملية إعادة وضع القطاعات والتعرض، واستمر هذا المشهد حتى شهر كانون الأول من العام 2017، إذ توج العراق بالنصر الكبير لقطعاتنا الأمنية على داعش".
محطات مرتبطة بالفتوى
بدوره، قال الباحث الإسلامي، الشيخ أسعد اللامي، وهو أحد أساتذة الحوزة العلمية، في حديث لوكالة الأنباء العراقية (واع): "بمناسبة ذكرى صدور فتوى الجهاد الكفائي التأريخية من قبل المرجعية العليا المتمثلة بالإمام السيستاني، يمكننا الوقوف عند عدة محطات مرتبطة بالأمر:
المحطة الأولى: لم تكن الفتوى وليدة الصدفة وإنما كانت نابعة من تلك القدرة الكبيرة على تشخيص الواقع حين داهم الدين والوطن عدو بربري متحجر منحرف الأفكار والنزعات، تسنده قوة خارجية شريرة، فكان عنصر التسديد الإلهي والوعي الكبير الذي تمتلكه المرجعية العليا المتمثلة بالسيد السيستاني، والقدرة الكبيرة على تشخيص خطورة المرحلة، مضافاً للقراءة المثالية المرتبطة بعملية الربط الواعي بين الشريعة والواقع، كل ذلك كان أسباباً أساسية في صدور الفتوى ونجاح أثرها وتحقيق معادلتها.
المحطة الثانية: استجابة أبناء الشعب وشعورهم الكبير بالمسؤولية وتلبيتهم لنداء المرجعية العليا، فتحققت معادلة الالتفاف حول فتوى المرجعية وتأسيس الحشد الشعبي، مضافاً للإسناد الكبير لشتى شرائح أبناء الشعب للمقاتلين ولكل طوائف الشعب، فضلاً عن المساندة الواضحة والكبيرة لقوى الجيش والشرطة الاتحادية والقوى الأمنية المختلفة والتفاف الأسرة العراقية والعشائر الأصيلة، كل ذلك كان مسبباً للنجاح وللنصر الذي تحقق".
المحطة الثالثة: الإسناد الكبير من القوى الإقليمية والدولية المحبة للعراق وشعبه كانت واضحة وبالأخص موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية والقوى الصديقة المحبة للعراق".مكاسب الجهاد الكفائي

وتابع اللامي: "يمكننا تلخيص المكاسب من وراء تلك الملحمة العظيمة باﻵتي: أولاً الانتصار الكبير للدين والوطن ورؤية المرجعية العليا ولكل إرادة خيرة في هذا الوطن، والمكسب الثاني وهو هام جداً ﻷنه يرتبط بالحاضر وبالمستقبل وهو خلق ثقافة جديدة لعموم أبناء الشعب وبالأخص الشباب منهم وهي إرادة التضحية والفداء وثقافة الشهادة، أما المكسب الثالث فهو تحقيق معادلة الأمن والأمان التي نعيش آثارها إلى اليوم، بل يمكن المراهنة عليها في المستقبل القريب والبعيد".
وأردف بالقول: "أما المكسب والأثر والنتيجة الأخرى التي يمكن الوقوف عندها هي ان العراق حصل على مكاسب سياسية كبيرة نال بسببها احتراماً إقليمياً ودولياً كبيراً وأصبح العراق بحق بمثابة المدافع عن المنطقة وعن الإنسانية من هجمات الجهل والتحجر والتطرف وتحررت إرادة الشعب إلى حد كبير وتكللت صور الاحترام الدولي والإقليمي للعراق من خلال العلاقات الدولية المتنامية التي أخذت بعداً جديداً، وما زيارة أعلى سلطة دينية في العالم المسيحي الكاثوليكي المتمثل بالبابا فرنسيس إلى العراق، إﻻ تكليلاً لمقام العراق".
وأكمل: "ومن المكاسب التي يمكن الوقوف عندها أيضاً، عودة العراق إلى الساحة الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية بعدما أنهكته قوى الظلام وكان للحروب التأثير الكبير على اقتصاده، إلا أن عملية انتعاش اﻻقتصاد بدأت تدور من جديد بل لا نجانب الحق إذا قلنا حتى اﻻزدهار الثقافي واﻻزدهار الرياضي واحترام الشعوب ثقافياً ورياضياً وفنياً للعراق، كل ذلك يعود إلى تحقيق تلك المعادلة العظيمة، معادلة التشخيص الموضوعي من قبل العالم الرباني المتمثل بالمرجعية العليا والتفاف الشعب حوله، تلك المعادلة والقوى السياسية وكذلك القوى الأمنية والأسرة العراقية، فتحقق بذلك النصر الكبير".

أبعاد سياسية واجتماعية

من جانبه، قال إمام مسجد الحنانة في النجف الأشرف، السيد أحمد الموسوي، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها الإمام السيستاني من النجف الأشرف، كان لها آثار عظيمة وكبيرة منها الأبعاد الاجتماعية والسياسية ووحدة الصف العراقي، إذ إن الجميع (شيعة، سنة، مسيح، إيزيدية، كرد، وتركمان) قاموا بمسؤولياتهم من مواقعهم، لاسيما أهل الجنوب الذين هبوا بكل ما يملكون من قوة السلاح والدعم اللوجستي، لدعم المعركة ضد عصابات داعش الإرهابية، ونجحوا برد تلك الطغمة الغاشمة من أرض العراق".
وأضاف الموسوي، أن "المحافظات الجنوبية احتضنت الأخوة النازحين من المحافظات الغربية التي احتلها داعش، وقدمت لهم الخدمات اللائقة بشأنهم وأصبحت هناك مصاهرة بين النازحين والذين استقبلوهم من تلك المناطق".نظرة العالم للعراق

ولفت إلى أن "هناك محاولات كانت لفصل العراقيين عقائدياً ودينياً بين المناطق الغربية والجنوبية، ولكن بعد فتوى الجهاد الكفائي التحم الشعب العراقي بكل أطيافه وأصبح واحداً أمام العدو المشترك".
وتابع أن "نظرة العالم تجاه العراق وطوائفه ومكوناته تغيرت بعد الحرب على داعش، ولاسيما زيارة بابا الفاتيكان الذي يعتبر المرجع الأكبر للطائفة المسيحية في العالم، وهو يسير على قدميه لزيارة المرجع الأعلى في النجف  الأشرف، شاهداً على عظمته وروحانيته وبساطته وتواضعه وحكمته وتدبيره".

تصدي المرجعية

مدير المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف التابع للعتبة العباسية الدكتور عباس القريشي لوكالة الأنباء العراقية أكد أن "المتتبع للوضع الأمني في العراق قبل العام ألفين وأربعة عشر يرى أن العراق كان يسير من سيء الى أسوأ إذ أن أيام الأسبوع كافة أصبحت أياماً دامية حتى سقط جزء كبير من أراضي العراق بيد العصابات التكفيرية"، مبيّناً أن "الفتوى وتصدي المرجعية العليا للأمر غيّر الاستراتيجية الأمنية في البلد وفي المنطقة بصورة عامة . 
من جانبه قال معاون الأمين العام للعتبة العباسية وقائد فرقة العباس القتالية لوكالة الأنباء العراقية (واع) إن "ما جرى على العراق في الماضي من أحداث كثيرة قد طواها النسيان وجهلتها الأجيال اللاحقة بسبب عدم التوثيق ولهذا السبب ارتأت المرجعية الرشيدة توثيق أحداث ألفين وأربعة عشر وما تلاها من عمليات تحرير ومعارك نصر خاضها أبناء الشعب العراقي للقضاء على عصابات داعش الإرهابية" .
وتابع الزيدي أن "المتولي الشرعي للعتبة العباسية السيد أحمد الصافي استجاب لتوجيهات المرجعية فكلّف الأقسام المعنية في العتبة العباسية بالتصدي للموضوع وجمع وثوثيق تلك الاحداث والمعارك والبطولات التي جرت في تلك الأيام" مشيراً الى أن "هذه الموسوعة هي أهم مصدر وأوسع مصدر في تاريخنا الحديث استوعب الفتوى والجهود المباركة وسوف تكون مرجعاً لجميع الأعمال الثقافية والفكرية التي تليها في المستقبل".