رأس المال الاجتماعي

مقالات
  • 22-02-2023, 08:23
+A -A

ميادة سفر

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
لم يكد يتكشف هول الكارثة التي وقعت في البلاد إثر الزلزال المدمر الذي أتى على أجزاء من مدن سورية، وخلّف أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى والمشردين ومساحات واسعة من الدمار في المنازل والبنية التحتية، حتى تداعى السوريون من كل المدن والبلدات لتقديم المساعدات بجميع أشكالها من مادية ومعنوية لأخوتهم المتضررين، أولئك التي استفاقوا على أنفسهم بلا مأوى ولا طعام ولا لباس والأهم بلا بعض من ذويهم.
كانت "فزعة" السوريين لبعضهم البعض لافتة بكل المعايير الإنسانية والأخلاقية، التي يمكن أن يطمح إليها أي مجتمع خرج لتوه من أتون حرب دمرته وفرقت بين أبنائه، في هذه الكارثة الطبيعية التي ألمت بهم، تجاوز السوريون كل ما يمكن أن يفرقهم، وتحولوا إلى قلب واحد وهي فطرتهم الأساسية التي حاولت الحرب تغييرها، أبناء بلاد فرقتهم السياسة ووحدتهم الإنسانية.
لا شكّ أنّ الترابط والتشابك داخل الجماعات يتركان آثاراً إيجابية على الفرد والمجتمع، وهو ما يشكل رأس المال الاجتماعي الذي يوجه سلوك الأفراد في المجتمع، بما فيه من قيم وأعراف ونظم اجتماعية وأخلاقية وثقافية تمكنهم من الارتقاء بإنسانيتهم وبالتالي علاقتهم مع الآخر، وهو ما بدا واضحاً من خلال العمل الإغاثي والمساعدة التي تجلت بأبهى صورها بين السوريين، وهم يواجهون معاً عواقب الكارثة التي ألمت بهم.
حظي مصطلح رأس المال الاجتماعي باهتمام من علماء الاجتماع عبر السنين وتفاوتت آراؤهم وتعريفاتهم بشأنه، غير أنها جميعاً تصب في أهميته وضرورة الاستثمار به أسوة برؤوس الأموال الأخرى، ففقد اعتبره بيير بورديو أنه: مجموع الموارد الفعلية التي يمتلكها الفرد في امتلاكه شبكة من العلاقات والاعتراف المتبادل، بينما أشار جيمس كولمان إلى أنّ رأس المال الاجتماعي انتاجي ومنتج، يمكن من خلاله تحقيق غايات معينة لا يمكن تحقيقها في عدم وجوده، معتبراً إياه مصدراً من مصادر التنمية.
تتعدد أشكال رأس المال الاجتماعي ليشمل الدعم العاطفي، الذي يتشكل من خلال التعاطف الشخصي لأفراد المجتمع في ما بينهم، والدعم العملي أو المادي الذي يحوّل فكرة التعاطف إلى أفعال ملموسة لتأخذ دوراً فعالاً ومنتجاً في المجتمع، وقد تمكن السوريون من الجمع بين هذين الشكلين، بل إنهم تحولوا مباشرة إلى تقديم المساعدة العينية والمادية والاحتياجات الضرورية للمتضررين من كارثة الزلزال، حاملين في الوقت نفسه كثيراً من مشاعر الحزن والأسى والتعاطف لأخوتهم في هذه الأرض.
في الأزمات السياسية من الطبيعي أن ينقسم المجتمع بين مؤيد للنظام الحاكم ومعارض له وآخر حيادياً لا يتخذ موقفاً سياسياً مما يجري، كما في الحروب التي فرقت السوريين لسنوات، أما وقد كانت الطبيعة بكل جبروتها هي التي تسببت بكل تلك الخسائر البشرية والمادية والدمار، يغدوا الإنسان هو المنطلق وهو الإساس.
يمكن باختصار القول: إنّ الشعب السوري نحّى جانباً خلافاته السياسية والاجتماعية والدينية، وعمل يدا بيد بكرامة وتضامن وإنسانية للبقاء على قيد الحياة بنحو جماعي.