الرياضة.. انطلاقة السلام الأولى

مقالات
  • 23-01-2023, 08:50
+A -A

سوسن الجزراوي

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
لا مجال للعودة عن الفرح.. نعم، فهذا الوطن يستحق السعادة والخير، فلعقود طويلة سحقت أحلامه الحروب بشتى ألوانها، وظل يربو للخلاص من الأحزان وينتظر إشراقة شمس السلام.. واليوم ينهض عبر الشرارة الأولى، البصرة ! نعم، البصرة، أرض السندباد ومشتى الخليج وبوابة الأمل القادم.
ولأننا بصدد الحديث عن المستقبل القريب، كان لزاما أن نمزق كل صفحات الماضي البالي، الذي لم يفلح كثيرا في ترك آثاره على النفوس، وخير دليل على هذا، التآلف العفوي العربي أثناء بطولة الخليجي وما بعدها، اذ سجّل النقاء الإنساني أعلى درجاته أثناء تنقّل الأشقاء العرب من الخليج، وتحديدا دولة الكويت في شوارع بغداد الحبيبة، اضافة إلى شوارع كل العراق الجميل، فكان الترحيب والتلويح، في إشارة للسلام والود الذي لم تنجح الحروب  في وأده.
من هنا، يتضح بأن السياسة هي ليست الخيار الوحيد للعلاقات بين الدول، فهي لا تعرف السلام الدائم ولا الخصام الدائم، بل تحكمها المصالح الاقتصادية وتسيطر على حيثياتها أجندات مختلفة، فنرى الرياضة اليوم تسجل حضورا بارزا كلاعب أساس في ساحة الأوطان، التي طالما عانت من نزوات حكامها ومغامراتهم غير الموزونة، فلا منافس للكرة ولا مناص من تجاهل دحرجتها في الملاعب، لأنها دائرية والأرض لا تمتلك زوايا، بل هي مستديرة، تدور وتدور في كل المجرات فتنثر سلامها على اليابسة والبحار 
معاً.
وانطلاقاً من هذا التنوع في رسائل السلام البعيدة عن الصراعات والمصالح السياسية كما ذكرت آنفاً، اعتمدت الكثير من المنظمات المنضوية تحت إطار الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، تنظيم وتهيئة مسابقات رياضية وبطولات هنا وهناك في مختلف المجالات، لتكون المشاركة الأكبر عربية ودولية، بغض النظر عن الصلح أو الخصام بين تلك الدول المشاركة، فاللاعب إنسان لا تحكمه سياسات دولته، كما منحت منظمة اليونسكو لقب (سفير) للنوايا الحسنة للعديد من الرياضيين في خطوة تاريخية تؤكد أن السفير لا يشترط أن يكون سياسياً، بل يكفي أن يكون محط اهتمام متابعيه.
وتشير دراسة أعدّها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الستراتيجية، إلى أنَّ الرياضة انما تم استخدامها تاريخياً كأداة تقارب بين الشعوب وبخاصة تلك التي دخلت دولهم في صراعات ونزاعات مسلحة، وكان التضارب في مصالحها قائما وفي أولى نقاط الخلافات، إذ إنها، أي الرياضة أداة تعريفية لطبيعة كل دولة للاخرى بغض النظر عن المعتقدات والمذاهب والأديان والديموغرافيا، لأنها تعزز وتشد من اواصر الشعوب حين تكون ضمن اطار منظم وبمشاركة أوسع عدد من الدول.
ومن ناحية أخرى، تؤكد هذه الدراسة ايضا في بعض مداخلها، بأن الرياضة ليست محفلاً للتسلية والترفيه حسب، انما هي سلوكيات وقيم نبيلة، تقف الشجاعة والتسامح والايثار والتعاون في أول أولوياتها، ولا قيمة للخسارة والفوز فيها، فالخاسر انما قد فاز بحضوره بين اشقاء كانوا مرحبين وممتنين لحميمية اللقاء، اما الفائز فقد ربح جائزة المباراة وحصد محبة متابعيه ومنافسيه في إطار تسوده الروح الرياضية التي طالما كانت مضرباً لأكثر السلوكيات نبلاً في قاموس الذوق العام والعلاقات رفيعة المستوى.