يوميات الحزن العراقي

مقالات
  • 14-11-2022, 08:15
+A -A

رعد أطياف

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
قد تكون المجتمعات المقهورة تميل إلى التحشيش أكثر منها لدى المجتمعات المستقرة. 
فشيوع النكتة عند المجتمع المصري، مثلاً، أكثر بما لا يقاس منها لدى المجتمع الألماني المعروف بالجدية والانضباط. وبشكل عام تبدو المجتمعات التقليدية تتفوق بهذه النقطة مقارنة بالشعوب الحديثةِ. لكن الأمر يتعدى حدود المقارنات بقدر ما نريد تسليط الضوء على ظاهرة تتنامى باضطراد بين عموم العراقيين، وقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في اتساع رقعتها، نظراً لما توفره هذه المواقع من جمهور واسع تنعدم فيه المسافات.وسواء أكانت مواقع التواصل الاجتماعي أم العالم الافتراضي فإنَّ دالة التحشيش العراقي في صعود مستمر! ولا نقصد التحشيش في أمور الحياة العامة، بل ومن زاوية محددة، هو شيوع أدبيات شعبية مختصة باختراع وسائل التهكم والسخرية على واقعنا السياسي.
إذ بعد انهيار سلطة البعث وسقوط الدكتاتور صرخ العراقيون فرحاً للحياة الجديدة التي كانت تنتظرهم.
كانت وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء تعبّئ ذاكرة العراقيين بأحلام وردية: مفردات الحصة التموينية ستتغير بشكل جذري، واردات النفط ستملأ جيوب المواطنين، خطط الإسكان ستشهد موجة انفجارية لا مثيل لها، البنى التحتية ستشهد حركة ثورية غير مسبوقة، الخدمات، وبالخصوص محنة الكهرباء، ستنافس كبرى عواصم العالم، العراق سيتحول إلى يابان ثانية. 
كل هذه الأحلام كانت مشروعة، كون العراق يتصدر قائمة الدول الثرية في العالم، نظراً لما يتمتع به من خزين نفطي هائل.
فبالتالي ليس غريباً على الإطلاق أن تحدث انقلابة جذرية في طرق الحياة، والخدمات، والاقتصاد، والتعليم. ما ينعكس لاحقاً على الدخل الفردي للمواطن العراقي. وسيعيش الجميع برفاه اقتصادي وستتيسر طرق الحياة، وينافس العراق البلدان المجاورة التي لا تقارن، بعمومها، بثروات العراق الهائلة.
استيقظ العراقيون من حلم اليقظة هذا على العجلات المفخخة، والإرهاب الداعشي، والفساد السياسي والإداري، وتبين لهم، خلال عقدين، أن ما كانوا يحلمون به ليس سوى كابوس ثقيل، لكن، ولفرط سعادتهم، ظنوا به حلماً وردياً داعب مخيلتهم. 
وبدافع الألم، الذي لا يطاق في كثير من الأحيان، وبدافع الجرح النازف الذي يعانون، طوروا في غضون عشرين سنة آليات تخفف وقع الصدمة، فاتجهوا إلى أدبيات التحشيش المليئة بالتهكم والسخرية.
ولذلك تتربع منشورات التحشيش في مواقع الاجتماعي على عرش النجومية وهي المنشورات الأكثر متابعة بين عموم العراقيين، يكفي أن تعمل جولة سريعة في هذا العالم الأزرق ستجد آلاف المتفاعلين على منشور يثير الضحك وهو يتناول قضية سياسية أو “ يحلل” بعض البرامج السياسية.