خطاب الإعـلام العربي وتسويق ستراتيجيته الرقميَّة

مقالات
  • 3-10-2022, 19:57
+A -A

د. محمد وليد صالح 

أكاديمي وكاتب عراقي 


استحوذت وسائل الإعلام على اهتمام المتلقي ومتابعته لما لها من التأثير وتشكيل الرأي العام بوصفه قوة فاعلة إزاء التوجهات الديمقراطية والقضايا السياسية والموضوعات المثارة، ولاسيما ان تنوع هذه الوسائل في تسويق خطابها الإعلامي وترويجه من طريق استثمار الأنشطة الاتصالية لخدمة السلطة ودفع الشعوب لطاعتها وتحقيق الشرعية الشعبية للحكم، فضلاً عن أهميته في تشكيل الوعي الاجتماعي في مرحلة الصراع الإيديولوجي، إذ يدخل التسويق السياسي في اختيار النظام السياسي ودعم تحركاته على الصعيد الدولي والمحلي، وصياغة سياساته الخارجية وتحركاته الدبلوماسية والعسكرية، ووسيلة لبسط النفوذ بعد تحوّل العالم من أساليب الاحتدام القتالي إلى الصراع الفكري والسياسي. 

ويعد الخطاب الإعلامي أحد وسائل الهيمنة بوصفه مفردات تواصلية معبرة عن الرسالة الاتصالية التي يتداولها الشركاء في أية منظومة اجتماعية محددة، ولا يتم انتاجه في العمل الصحافي من فراغ أو يعمل في إطار مغلق، وإنما هو خطاب مفتوح بتأثير بنيتة ومقالاته ومتسع على محاور عدة يؤدي بعضها دوراً مهماً في عمليات التوجيه انسجاماً مع الأنماط الاجتماعية والأنساق الإيديولوجية السائدة في المجتمع. 

ان التعبير عن الآراء واقتراح الأفكار والمواقف بخصوص القضايا المختلفة منها شكل الحكم كـ(الديمقراطية، واقتسام السلطة، وانتقالها السلمي، والفصل بين أنواعها)، تسمى خطاباً سياسياً ممنهج ومخطط له وفق هيكلية محددة ومركب ومرسوم مسبقاً يهدف إلى خدمة أهداف الدولة أو التشكيلات السياسية فيها، وحمل المخاطب على القبول والتسليم بصدقية الدعوى بواسطة توظيف حجج وبراهين بطرائق علنية ظاهرة ومكشوف، أو مستترة تشمل على الممارسة والسلوك السري ويعكس الواقع السياسي ويتسم بالاخفائية والكتمان. 

ويظهر هنا الخطاب الدعائي الذي يحاول إيجاد بيئة مناسبة لعملية التلاعب بالعواطف والعقول، لخلق حالة من التوتر والقلق الفكري والشحن العاطفي للوصول إلى حالة من الإقناع، والحصول على الموافقة والاتجاهات والسلوكيات لتحقيق أهداف المخطط الدعائي، بواسطة عمل مقصود ومخطط له وفق تكنيك معين لتنظيم العلاقات الداخلية لعناصر الأسلوب الدعائي سواء أكان بالتعامل اللغوي وغير اللغوي أم قناة تعبيرية أم الرموز المصورة والصوتية والحركية بإستعمال التقانات المؤثرة. 

إذ يأتي إعداد المقاربات التشاركية والمبادرات العملية لتطوير الإعلام العربي في سياق التحوّلات المتسارعة للمشهد الرقمي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وخاصة ما يتعلق باستكمال إرساء ستراتيجية موحدة للتعامل مع كبريات الشركات الرقمية العالمية (جوجل، أبل، فيسبوك، أمازون، نتفلكس، جافان) وتقديم قانون الضريبة الرقمية، ورسم الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030 ومتابعة تنفيذها ودعم وسائط الاتصال وشبكاته إلى القضية الفلسطينية وتجلياتها، وتفعيل أهداف الستراتيجية الإعلامية العربية للتميز والإبتكار 2022– 2026 بما في ذلك تعاطي هذه الوسائل الخاصة منها والعمومية مع الأزمات والكوارث في ضوء التجارب الوطنية مع جائحة كورونا، وكذلك إدراج مادة الإعلام التربوي في المنهج الدراسي للدول الأعضاء وآليات اختيار عاصمة الإعلام العربي، فضلاً عن دراسة خطة التحرك الإعلامي بالتعاون مع البعثات والمكاتب والمراكز في الخارج ومجالس السفراء العرب، من اجل التصدي الثقافي لإشاعة قيم التسامح والتعايش ونبذ خطاب الكراهية والتطرّف العنيف. 

فالمجتمع الدولي يسعى بالتدابير الكفيلة للوقاية من هذه الإشكالية بواسطة قرارات مجلس الأمن ومنها القرار 2178 لمكافحة الإرهاب على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي للحد من تفاقم الأزمة الإنسانية، كأساليب إنتشار الفكر المتشدد الناجمة عن تحوير المعتقدات والأيديولوجيات والاختلافات العرقية وإساءة استعمالها، ولاسيما ان شباب اليوم يشكلون مجتمعاً عالمياً لم يسبق له مثيل. 

ولمواجهة التحديات الفكرية في النتاج الإعلامي لابد من تخليص الحريات من المزاج والضغط السياسي، والعمل ببرامج تخطيط وتنسيق ناجعة بين المؤسسات وتطويرها في ممارسة العلاقات العامة على المستوى الإقليمي لتعزيز صورتها وسمعتها لتمكينها من سوق العمل، وكذلك ضمان حقوق الصحافيين وحمايتهم ومساعدتهم في الوصول إلى مصادر المعلومات بسن التشريعات الإعلامية المواكبة للتطورات الجارية، لتحقيق أكبر قدر من المشاركة والتدفق المعلوماتي في خدمة المجتمعات المتوازنة وبنائها. 

ان تجديد الثقة لجمهورية العراق رئيساً للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب بدورته الثانية والخمسين، واختياره رئيساً للجنة الدائمة للإعلام العربي، وهذا الدور يتجسد في العمل الهادف وفق التحوّلات الستراتيجية ومتغيرات التأثير الفكري المقبلة على الصعيد الدولي السياسي والاقتصادي والآيديولوجيات المتعددة، فضلاً عن الصيغ الجديدة والانتقال إلى بيئة الإعلام الرقمي في التقديم وبناء القدرات وتعزيز أخلاقيات العمل الإصلاحي المشترك للحد من الشائعات وأساليب التضليل والتلاعب لتحقيق الاستقرار المجتمعي، وتسويق الخطاب الإعلامي وأزمة الخطاب الدبلوماسي في العصر الرقمي عبر منصاته الإلكترونية والمدمجة. 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام