الملكيَّة الفكريَّة في الدراما الرمضانيَّة

مقالات
  • 9-05-2022, 08:32
+A -A

عماد جاسم
شهدت الأعمال الدرامية التلفزيونية هذا العام جدلا واسعا ليس من باب الجودة والانتاجية والجرأة بالطرح، لكن من باب السطو على أفكار لأعمال سينمائية أو روائية أو تلفزيونية سابقة أو لنقل اقتباس، بعضه مباشر والآخر يدخل في سياق الارتهان إلى الثيمة الأساس أو الحدث الأبرز لأعمال مشهورة سجلت حضورها في الذاكرة الجمعية للمشاهد او المتابع العربي في السنوات الماضية، ولنتوقف قليلا عند المسلسل العراقي (بنات صالح).

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
الذي قوبل باعتراضات عديدة كونه اعتمد كليا على فكرة واحداث المسلسل المصري الذي ذاع صيته في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وكان من بطولة عبد المنعم مدبولي وهدى سلطان مع الظهور الأول للفنانة هالة صدقي والفنانة مي عبد النبي وكان العمل سببا في شهرة النجمتين انذاك، إذ يحكي مكابدات أب يبحث عن بناته بعد خروجه من السجن، وهو ما يحصل للفنان محمد هاشم بطل مسلسنا العراقي، الذي يشترك مع العمل الاصلي حتى في العنوان تقريبا، إضافة إلى اعتماده على الثيمة والحكاية والمجريات دون اي ذكر في التايتل للعمل الأصلي، وهو ما يعد ضمن الفهم المعروف للملكية الفكرية عملية تجاوز على حقوق المؤلف مع تراجع في متطلبات الإدراك الموضوعي لأهمية الملكية الفكرية وصيانة حقوق العمل الابداعي المنتج الاصلي حتى بمرور الزمن عليها، لأنها تبقى في حكم القانون ضمن ملكية المبدع الذي أوجد وحقق البعد الدرامي والجمالي والتشويقي لقصة قد تكون واقعية او متداولة بين الناس، لكن عملية تحويلها إلى عمل فني تحمل بصمة كاتب السيناريو الذي وضعنا امام حدث تفصيلي استدرج عواطفنا واحتفلنا معه بلحظات تضامنية، وصلت حد البكاء ومشاركته البحث عن بناته نتيجة قوة الحبكة وواقعية التناول.
 بينما جاء المسلسل المعنون ( فاتن آمل حربي) للكاتب والصحفي المصري المتميز إبراهيم عيسى، ليكون عملا مشابها او مكملا للفيلم الواقعي الشهير للفنانة فاتن حمامة (أريد حلا)، الذي عرض في سبعينيات القرن الماضي وكان من أيقونات الأعمال الواقعية الاجتماعية وأحدث جدلا، بعد أن حرك الرأي العام وأجبر الجهات الفضائية والتشريعية في مصر على تغير قانون الاحوال الشخصية لصالح المرأة المعنفة او المطلقة، وهو ما تهدف إليه فكرة المسلسل الذي عرض في رمضان لهذا العام من بطولة نيلي كريم، التي اجادت لعب دور المرأة الشجاعة والذكية التي تطالب بحقوقها وفقا للدستور، واضعة امام انظار واذهان اصحاب القرار والمشرعين أهمية تحقيق العدالة والاستناد إلى روح الفقه ومغزى الشريعة مع الاحتكام إلى نصوص دينية ولوائح دولية تنصف النساء المعنفات، وهي بذلك تكسب ود المنظمات المدنية والنسوية عموما وتكون نجمة السوشيال ميديا ضمن حملتها الرامية لانصاف النساء المطلقات في عالمنا العربي، انه هدف وحكاية وحوارات تماثل (حدودة فيلم أريد حلا) الذي كان مثار دهشة واعجاب الأوساط الثقافية والقضاىية، إذا ما عرفنا أن منظمات نسوية مصرية ومثقفات وناشطات توجهن بالفكرة إلى الممثلة الأولى في مصر آنذاك (فاتن حمامة) لإقناعها بضرورة أن تقف معهم في تغيير القانون من خلال عمل درامي ممتع ومؤثر وجريء، وتحقيق ذلك بعد عرض الفيلم لما أحدثه من ضجة ونقاش، ولما حمله من مضمون انساني وأخلاقي ومبدئي ضمن احداث واقعية كسبت ود الشارع والهبت حماس المؤثرين في رسم سياسة الدولة آنذاك، وهو ما تحاول ان تفعله مسلسل فاتن آمل حربي صاحب الفكرة المقتبسة أو القريبة، لكنها لم تكن مستنسخة في تدرج الأحداث والتصاعد الدرامي، حيث رسمت لنفسها محاور متنوعة وتعاملت مع الثيمة بحرفية عالية مكنتها من صناعة هوية خاصة وملامح جمالية مؤثرة في المشاهد، الذي وجد فيها مسلسلا متفردا لم يتكئ كثيرا على فيلم فاتن حمامة وإنما اقترب من ضفافه دون قصدية الاقتباس المباشر او السطو على فكرة الفيلم ذائع الصيت، مستلهما إضاءات من حدثه أو فكرته الأساس التي تندرج في إطار المطالبة القانونية للمرأة المنفصلة عن زوجها والذي يمارس سلطته الذكورية بفعل وجود قوانين مجحفة وغير منصفة، من وجهة نظر المتصدين او المطالبين بتشريعات ضامنة للحقوق المدنية ذات التوجهات الإنسانية العادلة، والتي تنصف الفئات المستضعفة في مجتمعاتنا. 
وأخيرا سنراجع بشكل سريع فكرة وأحداث المسلسل المصري أيضا والمعنون (راجعين يا هوا) وهو قصة للكاتب الدرامي الأشهر عربيا، الراحل اسامة أمور عكاشة، صاحب التحف والأيقونات الدرامية التي مثلت قمم التعاطي الجاد مع اليوميات المصرية بنكهة الكاتب العميق والمحترف في صياغة المشهد والتنوع في الحوار، لكنه في هذا العمل الذي اسندت فيه البطولة للنجم خالد النبوي، بدأ الحدث أقل تشويقا، فالعنوان مأخوذ من أغنية رحبانية شهيرة للسيدة فيروز والقصة تقترب من فيلم "عودة الابن الضال"، الفيلم السياسي الاجتماعي الذي انتج عام 1969 من إخراج يوسف شاهين، لكن بتغيرات كبيرة في التناول، إذ يحكي المسلسل قصة شاب طموح حالم يعود بخيبات متنوعة إلى وطنه وعائلته المنقسمة والمهتمة بملذاتها ومكاسبها، والتي اغتصبت حصته من الارث، وهو ما يشابه أو يماثل (نسبيا) شخصية وحيد في المسلسل الذي كتبه عكاشة اواسط الثمانينيات وهو (الشهد والدموع) بجزئه الثاني، الذي يظهر فيه النجم عبد العزيز مخيون بشخصية العم المثقف (وحيد)، الذي يحاول انتشال أبناء أخوته من الضياع والانقسام، وهو الدور نفسه الذي يجتهد بفعله خالد النبوي بشخصية (حليم) بمسلسل "راجعين يا هوا" الذي عرض في رمضان، لكن الفارق كبير في آلية الاقتباس وقدرة النص على اجترار خط درامي يحقق وحدة درامية مع تناص مشروع لأعمال أخرى دون المساس بقضية حقوق المؤلف او التجاوز الحرفي على الملكية الفكرية، لكن لا مناص من وجود مقاربات حتمية تحدث بفعل الاعجاب لأعمال مؤثرة ظلت مليئة أدراج الذهن والمخيلة والذاكرة التي تضم بين طياتها وفي (لا وعيها ) مشاهد واحداث وحوارات ومعالجات تتطابق مع الأعمال الأصلية المؤثرة.
ويمكننا القول بعد استعراض هذه النماذج الثلاثة للأعمال الدرامية المهمة التي عرضت في رمضان وعلاقتها بالملكية الفكرية، إن ثمة تباينا في فهم او تفهم مغزى ومبتغى الأرضية والسند القانوني والتعريف الاخلاقي لهذه للحقوق، التي لا بد أن تحترم ضمن الإطار الممنهج والوظيفي لمرتكزات صناعة أعمال فكرية وثقافية وابداعية نضع في مقدمتها احترام مبتكر الفكرة والمجسد لأبعادها والمحترف لأداوتها، والذي افلح في اقتحام الواقع وترجمة ما فيه من مكابدات او سلوكيات ليضع المعالجة المناسبة، وهنا لا بد من الكل احترام وصيانة هذا الجهد الذهني والبحث عن مناطق اخرى للحرث والزراعة الدرامية في حقول الواقع الشاسعة دون النيل من جهد المبدعين الأوائل. 
لكننا في الوقت ذاته، لا بد أن نذكر أن ثمة مقاربات غير مقصودة ولا تحمل شفرات الادانة لمنتجي أعمال اليوم، إذ إنها تندرج ضمن خانة التأثر والتأثير المتعارف عليها عالميا و تاريخيا، إذ وقع الشاعر المتنبي تحت طائلة النقد لأنه كتب أبياتا، بل وقصائد تنحى منحى الأسبقين في الصياغة ورسم الصور الشعرية وكتبت عنه المؤلفات المنددة بسرقاته الشعرية، لكنه ظل شاعرا خالدا ومبدعا وعملاقا. 
ولا يسعنا في هذا المجال إلا التذكير بنظرية الحافر على الحافر التي صوب فيها النقاد العرب باتجاه توضيح بعض اللبس في عملية الاقتباس أو السرقة غير المقصودة بقولهم إن ثمة حوافر للإبل والخيول قد تأتي مصادفة في الصحراء على حوافر سبقتها بأعوام نتيجة المصادفة ودون علم ومعرفة، أي أن الأفكار تتشابه بفعل تشابه الظروف المحيطة والبيئة المهيمنة، في حين ذلك لا يتطابق مع أعمال يتقصد صنّاعها التعويل على نجاحات سابقة مست وجدان التلقي الجمعي، فذهبت لإنتاح أجواء مماثلة دون جهد معرفي أو خيال
ابداعي.