المناظر الطبيعيَّة في بريطانيا بعيون كاتباتها

ثقافة وفن
  • 13-02-2022, 08:34
+A -A

جيمس رامبتون
 ترجمة: ليندا أدور

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
يعد فيلم «الطيور The Birds» واحدا من أكثر الأفلام إثارة للقلق التي صنعها ألفريد هيتشكوك على الإطلاق، وهذا بحد ذاته يخبرنا بشيء، فحتى الآن، لا يمكن رؤية سرب عابر من طيور النورس، من دون أن يستذكر ويقشعر الكثير منا لمشهد الطيور الثائرة وهي تهاجم «ميلاني» التي جسدت شخصيتها “تيبي هيدرن» داخل كشك الهاتف، لكن يبقى مصدر الإلهام الرائع وراء رواية دافني دو مورييه، التي يستند اليها الفيلم، لا يعرف عنه إلا القليل.
 
تسلط ماريلا فروسترب، مقدمة البرامج التلفزيونية، من خلال سلسلة فيلم وثائقي جديد حمل عنوان «المناظر الطبيعية في الرواية البريطانية»، الضوء على تأثير البيئة المادي والاجتماعي على الروائيات البريطانيات العظيمات. تقول فروسترب بأن الفيلم مستوحى من تجربة دو مورييه نفسها خلال الحرب العالمية الثانية، عندما كانت تسكن بمدينة فاوي، التي أصبحت هدفا لـ «لوفتوافا» (سلاح الجو الألماني)، وتعرضها في أحد الأيام لقصف جوي لعدة مرات، ما أوحى لدو مورييه فكرة الخطر والتهديد الآتيين من السماء.
 
وثبة خياليَّة
لقد كان للحرب تأثير كبير على زواج وحياة دو مورييه بعد ذلك، كما كان لها تأثير هائل على كتاباتها، إذ ولدت عمليات القصف الجوي شعورا بالعجز بسبب عدم معرفة مصدرها ومن أين تأتي، فكانت تلك هي الوثبة الخيالية البارعة لمورييه في «الطيور». يجسد هذا مثالاً واحداً من بين العديد من الأمثلة على الطريقة الاستثنائية التي أسهمت المناظر الطبيعية في سبك مؤلفات أشهر الكاتبات، فعلى مدى أربع حلقات شملت كل من جين أوستن والأخوات برونتي وبياتريكس بوتر ودو مورييه، يعرض الفيلم مدى تأثير البيئة المحيطة في إلهاب مخيلة العديد من الكتّاب الكلاسيكيين، وكيف صاغت معالم المناظر الطبيعية في بريطانيا روايات خالدة كالسالفة الذكر «الطيور» و«ريبيكا» و«جين إير» و«كبرياء وتحامل» و«عقل وعاطفة».
يقول إيان هولت، المنتج التنفيذي للفيلم، بأن هذه الروايات لم يكتبها مؤلفوها فحسب، بل الزمان والمكان الذي عاشوا فيه كذلك، فلم يكن ليكون لدينا «مرتفعات ويذيرنغ» أو «نزل جامايكا» أو حكايات بياتريكس بوتر لولا تلك المناظر الطبيعية الفريدة. «لو نظرنا الى تلك الروايات من منظور مناظرها الطبيعية، سنراها بطريقة مختلفة، ومن خلال عيون مؤلفيها»، يقول هولت مضيفاً: «وسنراها من خلال عيون أسلافنا لأن أسلافنا كانوا ليقرؤوا هذه الكتب من وجهة نظر مختلفة». 
لعبت المناظر الطبيعية الأيقونية دور شخصيات هائلة في الروايات، كالدور المحوري الذي لعبته أراضي يوركشاير المستنقعية (يوركشاير مورز) في مرتفعات ويذرنغ، مثلاً. هناك العديد من الأماكن التي لم نزرها من قبل، لكنها تبدو مألوفة لنا نتيجة قراءتنا للكتب والروايات التي كتبت هناك. تساعد هذه العملية في وضع الروايات في سياقها، إذ نبدأ في إدراك بأنها محفوظة في صور حية وديناميكية، مشروطة بالظروف القاسية للزمان والمكان الذي تصوره. 
 
الحرية في المورز والحفلات
يشير هولت الى أن الكثير منا يقرأ هذه الروايات بعقلية القرن الحادي والعشرين، لكن لدى استيعاب وحشية ما كان يحيط بالكاتب حينها، يعزز فهمنا لعمله، كفهمنا للظروف الاجتماعية التي نشأت فيها شخصية جين إير، سندرك أنه، قبل أقل من 200 عام، كان مجرد البقاء على قيد الحياة أمراً صعباً للغاية، إذ كان الناس يموتون جوعا، لا يحظون بفرصة عمل ولا ضمان اجتماعي أو شبكة حماية اجتماعية، كان نصف الأطفال يموتون في سن السادسة ومتوسط عمر عامل المصنع هو 24 عاماً، لذا غالباً ما تضمنت قصص الأخوات برونتي معدل وفيات الأطفال. حينها نرى أن الرواية، في حقيقة الأمر، أقسى بكثير مما كنا نعتقد انه قد يكون، تقول فورسترب، لذلك عندما نتجول، اليوم، ببلدة هاوورث، مسقط رأس الأخوات برونتي، سنجد أن معظم الأماكن تحمل أسماء شخصيات من رواياتهن، وأن مقبرة البلدة هي الأكثر اكتظاظا وأن ثلاثة أرباع القبور تعود لأطفال.
كان لـ «المورز» تأثير حاسم على عمل الأخوات برونتي، وهو ذات التأثير الذي كان للحفلات الراقصة في أعمال جين أوستن، اذ مثلت المورز الحرية لأسرة برونتي، والمكان الوحيد الذي كانوا أحراراً فيه، فقد تعرضن لذات القيود التي تعرضت لها بطلات أوستن. 
استخدمت الأخوات برونتي «المورز» كاستعارة للعواطف التي تختلج في صدورهن والتي لم يتمكنّ من التعبير عنها أو التصرف وفقها في حياتهن الخاصة». كونها ناشطة نسوية طوال حياتها، تقول فروسترب بأن إدراك التحديات التي واجهت هؤلاء الكاتبات، وفي مقدمتها صعوبة إتخاذ الكتابة كمهنة، يجعلنا 
نقدر ونحترم بحق هذه الروايات أكثر».
 
العقبات الكؤود
إن الهدف الآخر وراء حراثة هذا الحقل الفكري هو لإعادة تأكيد أهمية هؤلاء الكاتبات من خلال إعادة النظر في إرثهن، «عندما تقترب منهن ومن البيئات التي كتبن فيها، ستفهمهم بشكل أفضل كشخصيات مستديرة واجهت بحق العقبات الكؤود لتتمكن من فعل الشيء الذي تحب»، تقول فروسترب مضيفة «لذلك استمر إرثهن حتى اليوم من خلال إظهار التقدير لهن وزيارة الأماكن التي كتبوا فيها».
تردد صدى إنكار إنجازات المرأة من خلال الطريقة التي عوملت بها العديد من الروائيات عندما كن على قيد الحياة، يقول هولت: «كان صعباً للغاية على الكاتبات في القرن التاسع عشر أن يتوجب عليهن النشر بأسماء ذكور مستعارة، فبعد وفاة إيميلي وآن، كشفت شارلوت برونتي عن هويتهن الحقيقية»، مضيفا بأن الجنسانية الفطرية في تلك الفترة لم تنتهي عند هذا الحد، بقوله: «كانت الزوجة تصبح من ممتلكات زوجها، ففي شهادة وفاة شارلوت برونتي، لم تكن هناك إشارة إلى كونها كاتبة ومؤلفة ناجحة، بل وصفت ببساطة بأنها «زوجة».  
يرى هولت بأنه من العدل أن تنال هؤلاء الكاتبات، الآن، التقدير الذي يستحقون، فالكاتبة بياتريكس بوتر، لديها من الإنجازات التي تتجاوز تأليفها لأشهر كتب الأطفال عالمياً، فقد كانت ناشطة في مجال البيئة حتى قبيل استحداث هذا المصطلح، عملت على إنقاذ «منطقة البحيرة» التي أحبتها، ولجأت الى شراء الكثير والكثير من الأراضي من أرباح مبيعات كتبها من أجل الحفاظ على الأراضي في «ليك ديستريكت» للأجيال المقبلة وهو أكبر إرث حققته بعد وفاتها، تاركة كل ممتلكاتها للصندوق الوطني. إذن، هي دعوة لإعادة البحث في الأشياء من جديد وإبطاء وقع الحياة ومحاولة الحصول على تجربة أكثر ثراء عن الأماكن والكتب. 
 
*صحيفة الاندبندنت البريطانية