في فهم ثقافتنا

ثقافة وفن
  • 10-02-2022, 07:53
+A -A

طالب عبد العزيز 
 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
تسيّدت المعاييرُ الغربية ساحةَ الثقافات الأخرى، في بعض دول العالم، لكنها باتت الفيصل النهائي في تقييم ما يُنتج ويُكتب لدينا عربياً، وصرنا نقرن نتاجنا في الشعر والرواية والفنون الأخرى بحسب مستوى ما يُنتج هناك، وعلى وفق المعايير تلك، في تسليم غريب. هذه المركزية، التي أفلح الغربُ (المتحضر) في تسويقها أفقدتنا البوصلة في ما نقرأ ونكتب ونرسم، ونخطط له أيضاً، وإذا لم يكن اعتمادنا هذا نتاجَ ضعفٍ ووهنٍ في ثقافتنا، التي نتفق على أصالتها، أو لا نتفق، فهو تأثير لما يعتور بلداننا من أفعال السياسة والدين والمجتمع، قبل كل شيء من تخلف واضطراب.
 الغرب الذي وقف حائراً أمام بوابة عشتار وأجنحة الثور السماوي، وصمت طويلاً، وهو يتأمل فكرة عشبة خلود جلجامش العظيم، وما زال حائراً بهندسة أهرامات الجيزة، وعبقرية ابن النيل في فهمه لعالم ما بعد الموت، والذي أفتتن بألف ليلة وليلة، وفعلت في روحه ما فعلت كتبُ المتصوفة كالحلاج وابن عربيّ والخيّام والروميّ وغيرهم، لم يعد ينظر لشرقنا العربي إلا عبر عمامة أبي بكر البغدادي، وألثمة المجموعات المسلحة، التي تتحكم بشوارعنا، أما نحن، منتجي الثقافة فقد بتنا أسارى ما ينتج هناك، من أفكار، غير قادرين على اجتراح مسار خاصٍّ بنا، نركن اليه، ويأخذ بثقافتنا الى ما نريده منها، لا إلى ما يُطبخ هناك لنا، فاللغة والثقافة العربية لا تختلف عن مثيلاتها في إيران وتركيا وروسيا والصين واليابان وأوروبا الشرقية، هذه الدول التي لم تزل تقارعُ من أجل صون وحماية ثقافاتها من هيمنة الآخر. 
 نعم، نعلم بأنَّ ثقافتنا، وبسبب تخلف الأنظمة لدينا، لم تنتج أفكاراً كبيرة، كالتي أنتجت في أوروبا، خلال القرون الثلاثة أو الأربعة الماضية، ولم يخرج بين ظهرانينا فلاسفة مثل كانط وسبينوزا وفيروباخ وهيجل، فلا ماركس ولا سارتر ولا سواهم عندنا، ونحن أمة تطريب في الغناء، لا تنتج سيمفونيات، ولن يكون في مدننا مسرح كبلوشوي موسكو، أو دار الأوبرا في سدني، وكل ما فعلناه في المسرح والموسيقى والباليه محاكاة لما كان ويكون هناك، أسسنا معاهد لتعليم الرسم، وصار لدينا رسامون كباراً، لكنْ، نحن شعوب لم تتعلم بعد تذوق الفنون هذه، فحيطان بيوتنا مشغولة بصور أجدادنا، وطواطم مقدساتنا. 
وليس في القضية ما يشنّع به علينا، فهذه ثقافتنا في فهم الحياة، وهذه أدواتنا في ملء الفراغ، نحن نتأمل ما ظلت تشرق عليه شمسنا منذ آلاف القرون، وكفى بنا ما نحن عليه، وما نؤسس له، هذا الأفق مختلفٌ، لكنه أفقنا، علينا الاعتراف بذلك، إذ، ليس كلُّ ما ينتجُ هناك صالحاً لنا.
 نحن أمة تعومُ لغتها في بحرٍ من المجاز والبلاغة، وفيها من السحر والبيان ما ليس في لغات العالم. التفكير والكتابة فيها يستدعي الروح أكثر مما يستدعي العقل، ولا تفهم إلا بالتأمل والتشبّع بها، وهي تومئ أكثر مما تشير، وتدلُّ أكثر مما تعني، هي هكذا، لا لأنها لغة القرآن، إنما لأنها هكذا. أقول متيقنا بأنَّ أدونيس أكثر أهمية من عشرات الشعراء، الذين نالوا نوبل منذ تأسيسها، وإدورد الخراط روائي لا يبلغ مقامه إلا القلة هناك، وهذان مثالان لا أكثر، لكن، ما الذي يبقى من لغة ادونيس والخراط إذا نقلت الى لغة غير
عربية؟ 
 في كل موسم لنوبل نذهب نبحث عن كتب الفائز، وفي كل احتكام للفكر نستل نظريات العقل الأوروبي، وفي أيِّ قراءة اجتماعية نجري وراء علماء السسيولوجيا هناك، نعم، الحضارة اليوم متاحة لكل الناس، في الشرق والغرب، ومشتركات الحياة لم تعد تقتصر على قومية وثقافة بعينها، لكن، للنظر كيف تدافع روسيا والصين وأوروبا الشرقية ودول أخرى عن ثقافتها، وكيف تتعامل مع النظريات والأفكار المنتجة خارج جغرافياتها ومجتمعاتها.