الخير العام وبناء الأوطان والإنسان

مقالات
  • 9-12-2021, 07:50
+A -A

 منى زعرور   
تعد قيمة الخير العام من أهم القيم التي تتداخل نتائج وجودها، بين الأخلاقي والديني والسياسي- الاجتماعي، فهذه القيمة التي تنطلق من الحقل الأخلاقي، تمكن جميع أفراد وأطياف المجتمع من الاستفادة المشتركة من كل المجالات الاقتصادية والخدماتية وإدارة الشأن العام بشكل يحقق المنفعة العادلة للجميع، وتركيز قوة الدولة المدنية، أو دولة المواطنة.  

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
 
وتأتي أهمية هذه القيمة على الصعيد الإنساني، في كونها تأصل لقيم الخير الفاعل والمُترجم في الذات الإنسانية وباتجاه الآخر، فتصبح مفاهيم المسؤولية الاجتماعية واحترام حق الاخر وحتى التطوع والعطاء، جزءا لا يتجزأ من الفكر والممارسة الفردية والجماعية، لأن الغاية الأسمى هي بناء الأوطان والإنسان وتحقيق الازدهار والتطور، الذي لا يمكن ترجتمه إلا بالمشاركة المنطلقة من إرادة الخير.
وتعاني المجتمعات العربية من أزمات كثيرة نتيجة لعوامل عدة أثّرت وتحكمت في مسارها وأوضاعها. من حروب وأنظمة مستبدة وفقر وقهر، إلى أمية آخذة في التنامي، مع الغياب الفعليّ لتحقق مفاهيم ومعايير حقوق الانسان. ونتيجة لكل هذا، كانت القيم دوماً الضحية الأساس على مذبح الفكر والممارسة العملية. 
فمع غياب الدولة القوية العادلة والمواطنة التي تضمن الانتماء والمشاركة، جنحت تلك المجتمعات بفئاتها نحو انتزاع المنفعة والمصلحة الخاصة على حساب تحقق المصلحة والمنفعة العامة. ومن المصلحة الشخصية إلى المصلحة الطائفية والحزبية تجذر الهدر والفساد. 
كما كان لفشل أو غياب السياسات التربوية الهادفة إلى بناء الإنسان على الصعيد القيميّ المدنيّ لجهة تبني قيم العمل المشترك للخير العام ضمن الحيز العام، الدور الأكبر في تفكك النسيج الوطني والحفاظ على ضمانة الوحدة، وتحديدا في المجتمعات التعددية في هذه البلدان. 
وهو ما غيّب معه أيضاً مفهوم العدالة الذي يتطلب بداهة تحقق المساواة وحقوق الانسان بتحقق الخير العام.
أما المفارقة الكبرى التي تُلحظ في هذا المجال، فهي الخطاب الديني الذي من الواجب أن يحض بداهةً على قيمة الخير العام، لكن أحيانا يذهب للتعبئة تجاه  الطائفية نتيجة لخضوعه المستمر للاتجاهات السياسية المنحازة في الطرح على حساب تناول القضايا الإنسانية والوحدوية والأخلاقية الجامعة، مع العلم أن دوره الأساسي يجب أن ينطلق من الوعظ والارشاد والنصح والضغط لتحقق هذه القيم انطلاقاً من رسالته الأساسية المنبثقة من النص 
المقدس. 
 ويتيح الخطاب الديني في حال تطبيق ما ذهب إليه من قيم تضامنية إنسانية، وفي كل الفرق والمذاهب منه، إمكانية تحقق قيم الخير العام والعدل إذا ما تم فهمه ضمن مفهوم الرحابة الإلهية والوحدة الانسانية. 
* كاتبة لبنانية