الرواية وغبار الرفوف

ثقافة وفن
  • 17-11-2021, 08:14
+A -A

 ابراهيم سبتي
 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
الكثير من الروايات الجيدة ضاعت واهملت واكلها غبار الرفوف. ولم تلق اهتماما من قبل القارئ او الناقد لأنها لم تسوّق اعلاميا، او لان كاتبها لم يروّج لها او المؤسسة التي طبعتها لم تفِ بما يأمله منها. وهكذا يضيع العمل الجيد مع الاعمال الاخرى التي لم تلق صدى ومتابعة. في مشهدنا الادبي والثقافي، مطلوب من الكاتب اولا الترويج لعمله وتوزيعه بين اصدقائه الكتّاب او النقاد كما يحدث حاليا. فلولا هذه المحاولة لذهبت الرواية او اي جنس ادبي آخر وضاع وتلاشى ونسي. 
ولكن هذه الطريقة ليست ناجحة في كل الاحوال فثمة اهمال واضح قد يجده الكاتب تجاه كتابه، ومن ثم تفشل خطته التي راهن عليها كثيرا ويشعر بإهداره للجهد والوقت. وبرأيي ان اهم نقاط نجاح الرواية هو الاعلام الذي يصاحب اصدارها، لان الاعلام وتناقل اخبار الاصدار الجديد من قارئ لآخر او من ناقد لآخر وأقصد بالإعلام هنا ليس اعلاما محليا او دوليا، انما الندوات والاماسي والمتابعة. 
هذا الفعل سيصنع هالة تساعد على نشر الرواية في فضاء المشهد الادبي والثقافي. وقد تحدث بعض المفاجآت حين تنتشر رواية ما بين القراء والمهتمين بسرعة البرق وتجد من يبحث عنها هنا وهناك ويتكلم عنها القاصي والداني. 
وبعض هذه الروايات لكتاب جدد والرواية هي اصدارهم الاول وهو امر يشعرنا بالزهو والفرح حين نجد كاتبا شابا تشتهر روايته وتُعرف منذ اول ظهور لها ولدينا امثلة كثيرة على هذه الحالة. اما الكتاب الذين يأملون من نتاجهم الجديد بأن يضرب ضربته في المشهد ويصعد الى عنان السماء ولكنه يصطدم بما لا يسرّه حين تظل روايته قابعة على الرفوف يأكلها الغبار من دون اهتمام او متابعة. وهو امر يقلق البعض من الذين يخططون بإنتاج رواية قد تحدث زلزالا في الوسط الادبي والثقافي ولكنه بعد ان يعلوها الغبار، يفقد الامل وربما يخطط لعمل اخر قد يلبي طموحه. اما اسباب هذا الاخفاق، فقد يكون احدها هو الكاتب نفسه. فبعض كتاب الرواية تأخذهم العزة بعملهم ونتاجهم فيعمدون الى اهدائه للبعض من المقربين المهتمين والذين لا يتعدون اصابع اليد الواحدة او اكثر بقليل لأنه يفكر ببيعه في المكتبات ومن يريد القراءة عليه ان يذهب ويشتري وهو امر يحدده سوق المزاج والرغبة. 
والسبب الاخر هو الاعلام المصاحب، فنحن لا نمتلك ماكنة اعلامية متخصصة بنشر الانتاج الروائي او غيره يروّج للعمل، انما قد يعتمد الكاتب على نفسه في التسويق وهو أمر متعب وغير مفيد أحيانا. اما السبب الثالث فهو الكتابة النقدية عن الرواية، فثمة نقاد يتناولون النص من وجهة نظر علمية وفق المدارس النقدية التي يتبعها الناقد قد لا تعجب الكاتب، ومن ثم يعتقد بأن عمله تعرض الى ضربة نقدية قاسية ربما. وهنا نذكر بأن اسم الكاتب وتاريخه، احيانا لا يشفع له في انجاح روايته، فكثير من الشباب كما ذكرنا تميزت رواياتهم واشتهرت وكانت الاصدار الاول لهم، وهذا يفند نظرية اسم الكاتب وتاريخه. إن الرواية التي ينتجها الكاتب الروائي، هي اضافة مهمة لتاريخه ومنجزه، وعليه ان لا يفكر بأنها ستتبوأ مكانة مرموقة منذ الوهلة الاولى، فقد تتفجر شهرتها بعد سنوات من اصدارها كما حدث للكثير من الاعمال التي عُرفت بعد زمن طويل وربما يحالفها الحظ وتُعرف منذ اللحظات الاول لنشرها. إنها عملية معقدة غير معروفة وغير محسوسة في عملية الانتشار والشهرة. 
ولكن أغلب الروائيين ينظرون الى الافق دائما على أمل ان تكون اعمالهم متميزة في نظر النقاد والقراء وهو أمر مشروع وحق من حقوق الكاتب بان يكون نصه ضمن دائرة الاهتمام والانتشار. إن التفكير بالشهرة والنجاح، هو أمر عفوي وتلقائي وغير محدد بأطر معروفة او بطرق يسلكها الكاتب للوصول والتميز، بل انها قد تكون ضربة حظ في بعض الأحيان لأننا نرى ان بعض الاسماء المهمة في المشهد، تتراجع حظوظها احيانا عند طرح اي عمل روائي لها ولم يحالفها التميز والنجاح في مرات عديدة وليس لمرة واحدة. 
وهو أمر محيّر جعل الكثير يطرح روايته ويروّج لها بنفسه وبوسائله المتاحة وبمجهود شخصي كبير يصل احيانا الى تكبده نفقات مبالغ فيها في تسويق عمله وخاصة ارسالها الى اصدقائه البعيدين. إنها لعبة محيّرة لا تخضع الى قواعد او اشتراطات، بل هي لعبة حظ قبل كل
شيء.