المربد من الشفاهيَّة إلى الكتابيَّة

ثقافة وفن
  • 10-11-2021, 07:51
+A -A

أحمد الزبيدي 
سأل أبو حاتم السجستاني، الأصمعيّ عن أشعر الفحول، قال: النابغة.. فكرر عليه السؤال ليطمئن من جدّية جوابه فقال: النابغة، وحين رآه يدوّن هذه (الفتوى) النقدية الجديدة، سأله: أتكتب؟ قال السجستاني: بلى، حينها قال الأصمعي: بل أشعرهم أمرؤ

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
القيس. 
 فما بين الشفاهية والكتابية بون شاسع في الأحكام النقدية؛ وشاهدها ما باح به الأصمعي وما كتبه السجستاني.. ولعلك تظن أن الشفاهية وأحكامها الذاتية قد رحلت مع القديم وما عادت مقنعة في ظل الحداثة وتكنولوجياتها وتقاناتها وكتابيتها ومناهجها العلمية ؛ ولكن لو تجوّلت ذاكرتك فيما اعتادت عليه المهرجانات الثقافية والنقدية وما شهدته  الجلسات النقدية في المربد الشعري، بدوراته السابقة بعد 2003 لوجدتها  مطعّمة  بالأسلوب الشفاهي؛ وهذا لا يعني أنها أحكام  مجانية أو فوضوية وإنما قصدت نسيانها بعد مغادرة قاعة النقد لأن الحاضرين قادمون لأجل  سماع  الشعر وليس  لـ (سماع) النقد! نعم سماعه فقط فليس هنالك من بحث
يقرؤونه! 
في المربد الشعري الأخير بنسخته الرابعة والثلاثين، الذي حمل اسم الراحل الخالد إبراهيم الخياط، قدمت إدارة المهرجان أنموذجا نقديا جديدا يذكرنا بالتنظيم العلمي في الدورات المربدية السابقة. إذ اقترحت محاور محددة لها صلة بالمتغيرات الثقافية الراهنة: الشعر بوصفه انتاجا معرفيا، والشعر والتلقي في مواقع التواصل الاجتماعي، والشعر وجائحة كورونا، والشعر والموقف إبراهيم الخياط أنموذجا.. 
واستكتبت نخبة من النقاد العراقيين والعرب وجمعت دراساتهم وطبعتها في كتاب عنوانه (الشعر في زمن مختلف) إعداد رئيس اتحاد أدباء البصرة الدكتور سلمان كاصد وكاتب السطور وطبع على نفقة وزارة الثقافة والسياحة والآثار..
وما عقدت جلسة نقدية إلا وكان الكتاب متوزعا بين يدي الحاضرين، ولعلي لا أبالغ لو قلت: إن فرحة المتلقين (السامعين) في طباعة بحوث المربد، أكثر من فرحة المستكتبين، فلربما يعتري البعض الخوف من زلة اللسان وهفوة الكتابة اللتين ستلاحقانه بتهمة حكم نقدي عجول أو لربما سيرغمه الكتاب بحذر القول ودقة البوح ! وهذا ما حصل فعلا فحين أعلن مدير أحدى الجلسات عدم وجود مداخلات ومناقشات من قبل
الحاضرين لم يستطع السيد المدير أن يلغي المداخلات خارج خارطة القاعة.وحين التقى أحد الحاضرين في الجلسة النقدية عن محور (الشعر بوصفه انتاجا معرفيًّا) وهو الدكتور لؤي حمزة عباس، حاملا معه الكتاب فتناقش مع  أحد المستكتبين في هذا المحور، وهو الدكتور عبد العظيم السلطاني في بحثه عن الشعر والمعرفة.. ناقشه وكأنهما في (محاكمة نقدية) ومناقشة أطروحة أكاديمية، ولم ينته النقاش حتى جاء الشاعر عارف الساعدي فتغيرت بوصلة الحديث من (الكتابية)
إلى (الشفاهية).