ليكن موسماً بلا عويل

ثقافة وفن
  • 8-11-2021, 07:39
+A -A

 ياسين طه حافظ    
علمنا الإقطاع وعلم آباءنا وآباءهم، أن نولول أن نبكي أن نغني مثلما سنموت، ان نطلب مثل شحاذ من ... هذا التوسل، هذا الانتظار للرحمة والعطاء، هو ما مر بنا او تعلمناه او اضطرتنا اليه أيام بؤس. يبدو اننا ما نزال ننتظر استدارة الشيخ، او الحوشي، ليبتعد بابتعاده الاذى، وما نزال نشعر بالخيبة والتعاسة إذا يئسنا من العطاء.

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
 
أجواء الاقطاع تلك، مضافاً اليها بؤس وفقر المدن، تركت تركيبة نفس باكية مستسلمة، تطلب مثلما تبكي وتنتظر عون الله واوليائه على ماهم عليه من حال. ونداءاتهم لابنائهم 
عويل...
تغيرت الظروف، مهما يكن، تغيرت، تحسن الطعام والسكن والثياب ورأينا شوارع واسعة ومتنزهات ومطاعم واسواق حديثة تتلامع فيها البضائع والناس واللافتات. لكن يبدو اننا،  من دون ان نعلم، ما نزال  بأسمالنا القديمة، ناسين اننا بثياب غيرها وبقدرات شرائية لم تكن لنا وبثقافة اخرى وعصر، غير تلك التي كانت. لكن، لماذا ما نزال نبكي حين نغني ونجد ارتياحنا في احزان الماضي؟، التعلق بالماضي وبؤسه والتأوهات التي لا تنتهي على ما كان او ما لم يحصل، ليس في مكانه تماماً ونحن نصنع ادباً وفناً. ما كان تلف وانهاه الزمن. قد تكون بعض اموره مقبولة، ولكن الظاهر عموماً نكوص عن العصر.
يكون عملاً مهماً لو انتزعنا القوى من شخوص واساطير واحداث الماضي لاخصاب النص الحديث وشحنه بما يرمز ويشير ويعطي مدى، لكننا لا نفعل هذا. نحن نبكي غناء ونبكي شعراً. نحن نمارس الدوران في الدائرة القديمة.. شاعر حديث وما يزال طافحاً بالعنفوان يكتب بكاءً وهو يلتقي حبيبته، بأحدث تسريحة واحدث تقليعة زي!،  وشاعر لا يعرف، حتى في لحظات الحب، غير ان يكون شحاذاً يتوسل، او يكتب تفجعاً، يرجو رحمة او عطفاً، كما  {أسير} او سجين او بعد قليل يُعدَم!، اما القول باننا ننقل  شكوى وآلام بلد، فأقول: ما عدنا نستسيغ احزان ضعفاء وبؤس عشاق وتعاسات محتاجين. الانتصار للبلد يكون بأفكار جديدة وشعارات  ومطالب جديدة ودعوات {حركات} الاصلاح لا بالغناء الحزين والشعر شديد البؤس والموسيقى النائحة كأن من مقبرة قديمة. سئمنا من البؤس الواقعي لنعيش ليل نهار مع البؤس المتوارث وكأن لا حياة ولا فنون ولا عالم  ولا كون!.
حتى خارج البلاد تجد العراقي واضحا عليه انكساف الوجه والروح وخواء حتى الضحكة والكلام البؤس في الجلسة والمشية والنظر الى الناس والحياة.
والغريب ان الفرد لا يتوسل خبزاً أو مالاً او عوناً حسب، هو يتوسل حباً ويرجو عطفاً، وإلا فسيموت! أي بؤس هذا وأي بشر ما يزالون بروح الشحاذة واخلاقيات العبيد والاقنان!
ثمة كتّاب {لا يوثق بهم} يصطنعون العواطف، يصطنعون الاحداث، بقسرية صناعية او احترافية، لا حقيقة ولا روح وراءهما،  آخرون ابناء عصر مثقفون ثقافة حديثة، تختلف نظرتهم في الكتابة ويختلف اهتمامهم كما يختلف الاسلوب. تكرار ما خلفه غيرنا يعني قضاء على الإبداع وعلى اي أمل 
ينتظر.
واذا كانت المحاكاة تعطي شبيهاً يمكن استغلاله آنياً فهو ايضاَ ينسي الكاتب او يضيع عليه فرصة جديدة خاصة به –المحاكاة تحصل ساعةَ لم يشعر الكاتب بقوته الشخصية. خطأ الاقتناع باستغفال القارئ. ثم وهذا هو المهم، القارئ يريد جديداً مختلفاً وهو هذا الابداع الادبي أوالصناعي. حتى الحرفيين اليدويين يفتخرون بتجديدهم...
ونحن اذا نطمح لكتابة جديدة، نكشف عن حاجتنا لروح جديدة، ولموضوعات جديدة ان امكن، او زوايا نظر مغفلة واكثر من هذا كله نريد ان نبتعد عن القديم، بتقنياته وبروحه.
ما يحصل عندنا في احيان كثيرة، جدة اسلوب وتقنيات، او مهارات متطورة لكن بذلك الحس القديم، الهزيل وبذلك البؤس، فهو ينشد وهو يعزف كما يبكي او ينوح وهو يكتب شعراً كما يستجدي وكما يتوسل الفلاح المعوز المدان ان يغفر له الشيخ او يعطيه قوتاً، او يكف عنه معتدين، نأمل من الكتاب الجدد روحاً جديدة ولغة واقعية حديثة واسلوباً يتدفق حيوية  كفى توسلات وبؤس موضوعات!
صحيح، لا نريد الشاعر  او الكاتب مفكرا او فيلسوفاً. لكننا لا نريد كتاباته فارغه الا جماليات تعبير. لا بد من فكر في الكتابة – لا بد من ان ينفتح النص على ما هو أبعد.
وهذا هو الفارق بين مهم وغير مهم، كم هي رمزية فاوست؟ ورمزية الارض الخراب ومقتله في  الكاتدرائية، ولماذا تستوقفنا بعض الاقوال والابيات في شعرنا العربي القديم وما نهتم به من الحديث؟ الجمالية الجديدة وما يثيره الموضوع ويشير إليه مسألة واحدة مطلوبة.
لمغني الماضي وشعرائه وناسه، اسبابهم. ولكنه صار ماضياً وهم ارتحلوا ولنا حياة جديدة، لا يمنع من هذا وجود اكواخ وبقايا قديم تجاوزته حياتنا اليوم وبدأنا نسمع ونقرأ ونرى الحياة وجديدها، وناساً منا وحيويتهم وامالهم، او عنفهم او حبهم في الكتابة، لكن وهذا مؤسف، الموسيقى ما تزال تبكي والغناء ما يزال نواحاً واستجداء وتوسلات بائسة، والغريب ان هنالك استغلالا لذلك في الاعلانات {الباذخة} مما تفيض به الفضائيات.
لنبدأ بعواطف وافكار وحياة عامة جديدة، واقعية، متطلعة، متشوقة للمزيد. وبأنواع من الجمال جديدة...! اوقفوا العويل!.