القصيدة الخُدّج

ثقافة وفن
  • 27-10-2021, 07:36
+A -A

د. أحمد الزبيدي 
 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
الكتابة مخاض حقيقي، ومن دون هذا المخاض تُولَد النصوص خُدّجًا !.. هذه إحدى ولادات الكتابة التي باح بها السارد الكبير محمود عبد الوهاب . ترى هل تنطبق هذه الحكمة على القصيدة بوصفها ولادة من رحم المبدع ؟  وهل اشتراطات جرير ووصفة الفرزدق الجسدية تبقى سارية المفعول في بنائها ؟ أيمكن أن يكون الشعر الحديث، الذي حاول بكل وسائله البنائية أن يرسم للّغة هوية جمالية خاصة، وارثًا للقوانين النفسية والثقافية ؟ ولعلك لا تغفل عن الوصفات النقدية الحديثة والسريعة التي تلحّ عليك بأن القصيدة الحديثة هي قصيدة ( مقروءة ) وليست ( مسموعة ) . 
  ما كان لي أن أتذكر حكمة محمود عبد الوهاب العامة ولا نصائح جرير والفرزدق الخاصة لولا ما شاع عند بعض شعراء الحداثة من أن القصيدة الحديثة ذات سمة قرائية أكثر مما هي سماعية وكأنهم بذلك الرسم الجمالي يحاولون أن يسوغوا لبرودة لغتهم الشعرية بالبعد البصري المتخم بالتجريب التشكيلي المتناص مع الأنواع الفية الأخرى أو على الأقل يسوغونه بالطاقة الدلالية الفلسفية المفترضة حسب مزاجهم الحديث وكأن التسويغ إضافة أخرى للغتهم الشعرية .. والسؤال الملحّ في طرحه : مَنْ قال إن اللغة الشعرية الحديثة قد فضّلت القراءة البصرية على باقي الحواس المشاركة في التلقي؟ 
أعتقد أن اللغة الشعرية بنية فنية مكتفية بذاتها لكونها ذات وظيفة غائية كما حددها يا كوبسن ومن ثم فإن الحركة الدلالية بين البنيات اللسانية تعتمد على مهارة الشاعر وقدرته الفذة في النسخ اللغوي الخاص به والذي يكتنز العناصر الجمالية في مستويات اللغة التعبيرية المنبثقة في لحظة ولادة واحدة بغض النظر عن الطبيعة الجمالية للمخلوق ، إذ لا شأن للزينة والنسب وجمال الفضاء بجمال المولود الناتج عن مخاض الولادة .. أعني لا شأن للأبعاد البصرية الزخرفية اللونية في التشكل الجمالي للقصيدة لأن الطاقة الشعرية الإبداعية وليدة التماحك الفني والأسلوبي بين حركة الدوال اللسانية .. ولو كانت الصفة القرائية شرطًا لازمًا للقصيدة الحديثة لما تداولنا وطربنا وسهرنا على إيقاع المومس العمياء وحفار القبور ودكان القرائين الصغ ومتهم ولو كنت بريئا وكل من ذكرته من عنوانات قصائد إنما تعود إلى شعراء ينتمون إلى صلب الحداثة الشعرية ..
ومزيدًا من الاعتقاد أن العجز الجمالي وعدم قدرة بعض الشعراء على التأثير وخلق خطاب شعري يتداوله النقاد هو الذي أسرى بهم نحو تأويلات نقدية افتراضية جعلتهم ينسبون السماع وتأثيره إلى العمود ويصنعون القراءة الصامتة وفقرها الحضوري إلى البصر وأعتقد _ ثالثًا _ وبأعلى صوتي أن القصيدة ( الناجحة ) هي القصيدة التي لا تختلف عليها ( الحواس )