خشبة المسرح متى تحتضن عروضها؟

تحقيقات وتقارير / ثقافة وفن
  • 23-10-2021, 12:31
+A -A

بغداد- واع- علي جاسم السواد - نصار الحاج 

لسنوات طويلة ظل المسرح العراقي يعاني الأهمال، بل إنه ظل مركوناً على هامش الزمن على الرغم من أنه بداية لتقويم المجتمع ومهد ثقافي لولادة فلسفة التطور الاجتماعي بكل تجلياتها، فالمسرح صورة تعكس قضايا المجتمع وتطرح المشاكل والحلول بطريقة فنية يجسدها فنانون اعتادوا على الأداء فوق خشبة تحاكي الجمهور وتضع إصبعاً على جراحاتهم.

وعلى الرغم من الارهاصات التي رافقت مسيرة العمل المسرحي في العراق لاسيما في فترة التسعينيات وصعود المسرح التجاري، إلا أن العراق ظل متماسكاً بمسرحه العريق ورافضاً الخضوع الكلي لأمزجة النظام السياسي آنذاك والذي حاول العبث به وبأدبياته، لتبقى أصوات الفنانين تصدح بعروض مسرحية غازلت الضمير وظلت عالقة في الأذهان، وبقي العراق أولاً عربياً في المسرح الجاد مثلما ظل أولاً في الفنون الأخرى، وظلت مقولة (ليقف الجميع) حاضرة عندما يكون المسرح العراقي متواجداً في أي مهرجان عربي يتعلق بالعروض المسرحية.

اليوم، الجميع تواق لعودة المسرح كما كان في السابق ليلعب دوره الاجتماعي والاخلاقي في تقويم المجتمع، وضخ المفاهيم النبيلة في العقول وتسليط الضوء على قضايا العصر بطريقة تنويرية تكون بوصلة للشباب في فهم مفردات العصر، وكالة الأنباء العراقية (واع) كانت لها وقفة مع ذوي الاختصاص لمعرف اسباب تراجع المسرح ومتى يعود ثانية الى الواجهة ،وماذا يحتاج المسرح العراقي للنهوض ثانية؟.

الممثل والمخرج المسرحي الرائد الدكتور عزيز خيون قال لوكالة الأنباء العراقية (واع) : إن"الحديث عن المسرح وأهميته يجرنا للحديث عن فصل جمالي مهم للتعليم والتطوير وأيضا للفائدة ،لذلك تؤكد الدولة وجميع الدوائر المعنية اهتمامها بهذا الوسيط المهم"، مشيراً الى "وجود حركة مسرحية في العراق، إلا أنها ليست تلك الحركة التي نتوقع منها على مستوى العروض في مسارحنا المستهلكة لأن العراق لا يمتلك قاعات مخصصة للمسرح إلا واحدة هي في المسرح الوطني وأخريات قليلة وهي أقل حظاً كمسرح الرشيد".

وأضاف أن "إعادة العروض المسرحية كما كانت في السابق تحتاج الى ميزانية لدعم الفعل الثقافي ،وهذه الميزانية ليست صعبة"،مبيناً أنه " لو تم انشاء صندوق لدعم الثقافة من خلال تخصيص دولار واحد من برميل النفط يتم تصديره لتم دعم المشاريع المسرحية التي يقدمها الفنانون والاكاديميون أو حتى الشباب وتنظيم عروض مسرحية كثيرة".

وتابع خيون أن" الأوان قد آن لإعادة النظر في إعادة الحياة للمسارح المتهالكة ودعم الفرق المسرحية وإعادة النشاط للفرق الأهلية لأنه لا يمكن قيام مسرح حقيقي من دون نشاط هذه الفرق ،لأنه لدينا 25 فرقة مسرحية في بغداد فقط"، مؤكداً على "أهمية الفعل الثقافي بشكل عام والمسرح بشكل خاص من خلال مساهمة شبكة الإعلام العراقي بالتثقيف في مجال المسرح وعرض المسرحيات المسجلة لديها لتنبيه المتلقي بدور المسرح في الحياة الثقافية العامة".

 

معوقات كثيرة

من جانبها ترى رئيس قسم المسرح في أكاديمية الفنون الجميلة الفنانة الرائدة الدكتورة شذى سالم أن "العروض المسرحية لا تحظى باهتمام كبير من قبل الجمهور لوجود معوقات كثيرة تقف أمام نشر الثقافة المسرحية".

وقالت سالم لوكالة الأنباء العراقية (واع) إن "الحركة المسرحية ما زالت موجودة ،فهناك عروض مسرحية تعرض في المسرح الوطني وعلى قاعات المؤسسات الرسمية (كليات الفنون الجميلة أو معاهد الفنون الجميلة) لكنها في الكثير من الأحيان لا تحظى باهتمام كبير".

وأضافت أن "وزارة الثقافة دعمت المهرجان المسرحي الذي انتهى الشهر الماضي ،وكانت بادرة طيبة لعودة الحياة المسرحية الى بعض القاعات المسرحية ،وهذه علامة جيدة من الوزارة متمثلة بدائرة السينما والمسرح "، مشيرة الى أن "المعوقات التي تواجه المسرح كثيرة منها عدم توفير البنى التحتية للمسارح والقاعات المناسبة للتمارين المسرحية والعروض علماً أن الوزارة تمتلك أكثر من قاعة مسرحية مهمة فعندما كان يقام مهرجان كانت العروض المسرحية تنتشر هنا وهناك في بغداد بأكثر من قاعة وأكثر من مسرح ،والآن ليس لدينا إلا المسرح الوطني ،وهنالك مسرح الرافدين لكنه مهمل ومسرح الرشيد يتم إعماره الآن وهو غير جاهز للعروض المسرحية".

 وتابعت رئيس قسم المسرح في أكاديمية الفنون أن "العمل بالمسرح في العراق يشكو من الإهمال الحكومي والفني والإنساني وعلى جميع الأصعدة فمتى ما كانت البنية التحتية قوية وتأهيل المسارح سيتم تقديم وإنتاج أعمال مسرحية بمستوى جيد ،وستكون هنالك عروض مسرحية عراقية متنوعة"،موضحة أن "المسارح والقاعات المخصصة للعروض المسرحية تفتقد للطاقة الكهربائية المستمرة ،فإذا تم عرض مسرحي وانقطعت الكهرباء فشل التواصل وفشل العرض ،لذا فإن الاهتمام بالبنى التحتية للمسارح أساس لديمومة العمل المسرحي".

وأكدت أن "المسرح العراقي علامة كبيرة في المسرح العربي وله دور كبير في تطويره وينبغي على وزارة الثقافة المحافظة على مكانة المسرح العراقي في هذا المجال".

 

العراق أول من صنع المسرح 

 من جانبها أكدت الفنانة الرائدة عواطف نعيم لوكالة الأنباء العراقية (واع) أن "العراق هو أول من بنى وأسس المسارح في العالم وأن أجداده أول من كتب القصص والملاحم ،وعليه فإن المسرح في العراق ما زال ينبض بالحياة رغم الظروف الصعبة وذلك لوجود فنانين مبدعين من الجيل القديم وجيل الشباب الذين يجتهدون لتقديم العروض الجيدة بين فترة وأخرى".

وذكرت نعيم أن "المسرح العراقي رغم الظروف العصيبة التي مرت علية يعمل ومن خلال المبدعين المجتهدين الرواد والشباب وهو يعمل في مختلف المجالات متناسياً ما يعانيه المسرحيون العراقيون من قلة الدعم، فالجميع يعلم أن عافية المسرح هي من عافية المجتمع والمجتمع في حالة اضطراب وشح في المعيشة مع اضطراب في المستويات الأخرى التي تنعكس سلباً على خشبة المسرح وعلى ما يقدم"، لافتة الى أن "العراق مقبل على مهرجان دولي كبير تقيمه دائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة ،فالمسرح يحتاج الى الدعم المادي لتوفير السيولة المادية لإنتاج عروض مسرحية تليق بمستوى الانسان العراقي الذي هو أول من بنى وصنع المسرح واول من كتب اقدم ملحمة في التاريخ هي ملحمة كلكامش".

وأوضحت أن "إعادة الحياة للمسرح كما كان سابقاً تحتاج الى أن تلتفت الحكومة الى هذا المسرح وتوفر له ما يحتاجه إضافة الى الدعم المادي لانتاج عروض مسرحية تليق به ويحتاج الى البنى التحتية ".

وأضافت: "لدينا المسرح الوطني ومسرح الرشيد اللذان ما زالا حتى هذه اللحظة لم يكتملا بالشكل الذي كنا نحلم به فالمسارح في العراق كانت من كبريات مسارح الشرق الاوسط، ونحتاج الى ان تكون مسارح اخرى  للفرق الاهلية"، مؤكدة على "ضرورة احترام الثقافة العراقية ودعم الفن والفنان العراقي بمحبة واحترام وتقديم كل ما يليق به لكي يحقق حلمه بأن يكون هنالك مسرح عراقي يضاهي وينافس المسارح العربية وانه كان في ما مضى في الطليعة مع المسرح التونسي والمصري".


عزوف الجمهور

بدوره، عزا الفنان اياد راضي، انحسار المسرح الى عزوف الجمهور من حضور العروض المسرحية.

وقال راضي لوكالة الأنباء العراقية (واع) إن " انحسار المسرح وانحسار حضور الجماهير للعروض وعزوفه عن ذلك جاء لاسباب منها الفن بشكل عام وهو ابن بيئته وبشكل خاص يتأثر بها وبسبب الظروف الاجتماعية او السياسية او الاقتصادية"،مبينا ان "البيئة العراقية غير مستقرة والفن في العموم غير مستقر والمسرح بشكل خاص غير مستقر". 

واضاف أن "السبب الثاني فقدان الثقة بين الجمهور والمسرح وما يقدم على خشبة المسرح وما قدم ، حيث شهد الكثير من العروض المسرحية الاسفاف والاستسهال وعدم احترام ذائقة المتلقي ،وهذا جاء بسبب تحقيق أعلى قدر من الربح السريع ،وبذلك فقد المسرح الشعبي جمهوره"،موضحاً أن "السبب الآخر هو ارتفاع سعر التذكرة ،وهو يشكل ثقلاً على العائلة العراقية بسبب الظروف الاقتصادية الحالية".

وتابع راضي أن " العمل على إعادة الجمهور يتطلب احترام ذائقة المتلقي بما نقدمه على خشبة المسرح وتقديم نص رصين فيه حكاية ويعتمد على شروط النص المسرحي ويجب ان يقدم الواناً جديدة غير معتاد عليها الجمهور ومختلفة عما قدمت سابقاً من نكات سريعة الاستهلاك والمعادة والمكررة "، لافتاً الى أن "وسائل التواصل الاجتماعي أثرت على المسرح والتلفزيون لأنها متاحة بيد الجمهور حيث يشاهد الفرد العراقي ويسمع كل ما يريد من خلال جهاز صغير بحجم الكف ما أثر بشكل سلبي على المسرح وجمهوره".

وأعرب الفنان اياد راضي عن أمله "بعودة المسرح الجماهيري حيث كان يعد فسحة للعائلة العراقية ومن اجل قضاء وقت ممتع والاستفادة والاستمتاع ".

الى ذلك قالت الكاتبة والمخرجة الدكتورة ايمان الكبيسي لوكالة الأنباء العراقية (واع) إن"هناك معوقات تعيق العمل المسرحي منها المواضيع الانتاجية وتوفير الاموال خاصة المسرح الذي يضم كوادر شبابية، اضافة الى عدم   توفر اماكن للتمرين وهذا الامر فيه معاناة خاصة بعد تفشي كورونا الذي فرض واقعاً جديداً، لكن دائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة كانت متعاونة في توفير مسرح من أجل التمرين".

وأضافت أن "هناك صعوبات أخرى مثل غياب العنصر النسوي في المسرح العراقي وغياب الدعم من الجهات الحكومية للفنانين". 

 

معالجات جذرية

نقيب الفنانين جبار جودي أوضح لوكالة الأنباء العراقية (واع) أن"المسرح العراقي مستمر بعروضه لكنه يحتاج الى معالجات جذرية".  

وقال جودي إن "العروض المسرحية مستمرة ولم تتوقف وقبل أسابيع انتهينا من مهرجان العراق الذي أقيم في المسرح الوطني وشهد 18 عرضاً مسرحياً مختلفاً ،وهناك عروض عديدة منطلقة في باقي المحافظات ومنها العاصمة بغداد"،لافتاً الى أن "العروض المسرحية الجماهيرية فيها بحث آخر لأنها تعاني من عزوف كبير من المشاهدين لحضورها ومشاهدتها ".

وأضاف أن "المسرح يحتاج لمعالجات جذرية في طريقة التسويق ومعالجات فنية من ناحية الإضاءة والاستعراضات والديكور".

من ناحيته عزا مدير دائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة أحمد حسن موسى ،اسباب توقف عرض المسرحيات خلال اكثر من سنة الى انتشار وباء فايروس كورونا.

وقال موسى لوكالة الأنباء العراقية (واع) إن "المسرح العراقي يمتلك من العمق الكثير ووجوده محلياً وعربياً أصبح شيئاً كبيراً ومؤثراً" ،عازيا التوقف خلال السنة الماضية الى "الأوضاع التي لديها علاقة بوباء كورونا ،لأن خلية الازمة منعت التواجد العام للجمهور ".

وأضاف: "الآن لدينا 14 عرضاً مسرحياً لأسماء كبيرة ومهمة بالمسرح العراقي من الموظفين ومن المتقاعدين ومن الفرق الاهلية الذي انجزنا قبل فترة مهرجان (الموندراما) بواقع 10عروض مسرحية يوم أول امس ابتداء المنهاج المسرحي بعرض على منتدى المسرح وسنستمر حتى نهاية هذا العام".

 واشار الى ان "المعوقات التي يواجهها المسرح العراقي هي بالاساس انتاجية منها عدم وجود وفرة مالية وهي العائق الاساسي في انجاز عروض مسرحية"، مؤكدا ان "المديرية لديها الان ميزانية جيدة واستطاعت ان تخرج بـ 14 عرضاً مسرحياً وسنتوج هذا المنهاج بمهرجان بغداد الدولي للمسرح يقام من 20 الى 26 في شهر 11بحضور عربي ودولي واسماء كبيرة ومهمة في المسرح العالمي ،كذلك هنالك عروض عراقية متميزة تم اختيار 3 عروض وإضافة عرضين آخرين أصبحت 5 عروض عراقية ستشارك في هذا المهرجان ضمن المسابقة الرسمية".

وتابع مدير المسرح: "نأمل بأن تكون ميزانية السنة المقبلة افضل حتى يستطيع هذا المسرح ان يتنفس من جديد عبر انتاجية معافاة تمنح المخرج والكادر الفني فرصة تقديم عرض مسرحي غني بديكوره مع دعم كبير من قبل وزارة الثقافة للسينما والمسرح"،متوقعاً أن "تخرج هذه السنة بعروض متميزة نستطيع ان ننافس فيها في المهرجانات العربية والدولية".

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام