في الدعاية الانتخابيَّة

مقالات
  • 6-10-2021, 08:40
+A -A

د. كريم شغيدل

 ما زلنا نحبو- كما يقال- في طريق الديمقراطية، لم نقف على أرجلنا بعد، بغض النظر عن مدى الإيمان بها من قبل القائمين عليها والخائضين غمارها من الكتل السياسية والأحزاب والنخب، فهي بالنسبة لهم استحقاقات ينبغي أن يتقاسموا ثمارها، فجميع الأطراف المعنية لم تسعَ لترسيخ الديمقراطية بوصفها مبادئ ومنظومة لتداول السلطة سلمياً، إنما هي عند البعض مجرد لعبة أو طريق للوصول، بل هي خارج المنظومة الثقافية، وإن عمدت المؤسسات التعليمية لإدراجها ضمن مفردات مناهجها، ما لم نقل إنها أصبحت موضع سخرية واستهجان بسب سوء الأداء السياسي الذي انعكس على أمن المجتمع وحياته المعاشية وحقوقه الإنسانية، ومع قرب الانتخابات وانطلاق الدعاية الانتخابية يبدأ التغني بالديمقراطية، التي كانت على مدى سنوات مركونة على الرف، بسبب الانشغال بملفات المكاسب والمنافع، وبمجرد أن يبدأ المرشحون بتعليق صورهم لتملأ الفضاء البصري للمدن العراقية، يستطيع المراقب أن يقيس مستوى تدني الوعي الديمقراطي، ويكتشف بأنه أمام فوضى عارمة تدلل على ذهنية القائمين على الانتخابات والمشتركين بها، فهناك بصريح العبارة جهل إعلامي، سواء في طبيعة الصور أو الشعارات الرنانة أو الاتكاء على الرموز السياسية والدينية والعشائرية.

مع غياب قوانين الدعاية وضوابط مراعاة البيئة، تصبح مفاصل المدينة: شوارعها وأعمدتها وجدرانها وجسورها وطرقاتها وبناياتها مساحات مباحة للإعلان، وبصورة عشوائية لا تنم عن ذوق، ولا تراعي حقوق الحفاظ على الفضاء المكاني، صور مختلفة الأحجام، بلا تنسيق، تتمزق تدريجياً نتيجة العنف الرمزي الذي يمارسه البعض لإسقاط المنافسين، وجوه لمرشحين ومرشحات مبالغ بفلترتها وتجميلها، إبراز عشوائي لصفات مهنية وتخصصات علمية لا علاقة لها بما نفترضه من حاجة ماسة إلى خبرات تشريعية تكون مسؤولة عن سن قوانين لبناء الدولة، وممارسة الدور الرقابي على الأداء الحكومي، إصرار المعنيين على الارتجال في الدعاية الانتخابية، يعكس مستوى الذهنية الارتجالية التي فشلت في إدارة شؤون البلد، وتتحمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جزءاً من هذه العشوائية، ففي البلدان المتقدمة هناك شركات وخبراء ومتخصصون بقيادة الحملات الانتخابية، وبينما ينفق غالبية مرشحينا أموالاً طائلة على الولائم وتوزيع الأعطيات، يفشلون بتقديم أنفسهم من خلال برامجهم الانتخابية التي ينبغي أن تكون المعيار الحقيقي لاختيارات الناخبين.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام