أربعون الزحف المقدس

ثقافة وفن
  • 26-09-2021, 08:39
+A -A

حميد المختار 
ها هي السنة الثانية أستعد فيها لمواكبة مسيرة الروح متوجهاً إلى بدايات الخلق وسر الكينونة، أختبر فيها ذاتي وقدراتي وهمة جسدي النحيل المتمارض الذي كثيراً ما يشكو من آلامه وهواجسه وخوفه من الموت والفناء، هذا الجسد الهش الذي يبحث عن كل ما يريحه ويهرب من الانتكاسات والمواجهات مع المتاعب والأمراض بحثاً عن الراحة والاستجمام، وقد أعطيته في كل سني حياتي الماضية الكثير وجاء الوقت الذي يقف معي في تحدٍّ، يجب أن يقف بمواجهته وأن لا ينكسر أو يهرب أو يتمارض. 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
إنها الرحلة الثانية التي تحمل في جعبتها ثقافات وحكايات شعب صنع مصيره بنفسه، صنع أسطورته الحية القادرة على العيش معه في كل يوم وليلة لتحيا في طريق الرحلة المقبلة من جديد فيعود الشهداء ثانية رافعين رؤوسهم على الأجساد هذه المرة لا على الرماح. العشاق هم رماح الوله الحسيني الذين يحملون الأرواح بدل الرؤوس وهم يتوجهون إلى سفينة راسية على بحر شهادة وجود وكرم منقطع النظير، إنها الأربعون أساطير الشعوب الحية التي شاركتهم في كل شيء ابتداءً بالحياة والولادة وانتهاءً بالموت والشهادة، أربعون الأسرار العصية على الشرح والفهم لذلك لا يهمني متى وصل ركب السبايا بعد خروجهم من الشام، هل وصلوا في اليوم الأربعين أم الخمسين أم الستين؟. كل ذلك ليس مهماً إنما المهم في كل هذا الأمر والأهم هو الوصال واللقاء والارتماء على التربة الطاهرة والمناجاة والبكاء بدموع سواجم، وغسيل الروح وطرد رجس الأبدان التي حطمتها خطايا السنين الغابرة. في رحلة السنة الماضية كان هناك نتاج كللته الرحلة بقصة طويلة عنوانها (الوصول إلى شموس القيامة) وقد نُشرت في عدد مجلة الأقلام الأخير ونزلت في مجموعتي القصصية (العشيقات)، هذا فضلاً طبعاً عن النصوص الشعرية التي كتبتها طيلة تلك الأيام المباركة واليوم أكرر تلك الرحلة لأكمل بناء الجسد الآخر، الجسد البديل الذي سيكون مصدّا ودرعاً وحصناً للأرواح الآفلة وهي تخبو منتظرة أوبتها إلى بارئها. أيها السادة، أيها الأحبة: للحسين أبواب كثيرة منها المفتوحة ومنها الموصدة والعشاق والمريدون لا تشبعهم تلك الأبواب المفتوحة بكل سعتها إنما صاروا يطلبون الأبواب الموصدة ليقتربوا أكثر من معشوقهم. 
أفواج وملايين الأفواه الصارخة والأرواح الصادحة تهتف بعلو الصوت: (يا حسين)، وكان وسيبقى حضن الحسين واسعاً كالسماء يحتضن عيال الله وأرباب عشقه وأطياف مسكنته. الأربعون ظاهرة قديمة ومعاصرة وقد ابتدأت ولن تنتهي إلّا بزوال الأرض ومن عليها، لذلك أهيبُ بالمثقفين والدارسين والأكاديميين والشعراء والساردين والأنثروبولوجيين والمختصين بالدراسات الانسانية، اِقتربوا من هذه الظاهرة بلا خوف أو خجل، اِنزلوا من أبراجكم العاجية وتفحصوا ما يحدث بدقة وأناة، وابتعدوا عن كل ما ينفركم منها من أسباب سياسية وطائفية مقيتة وفوقية هشة، وان كان المانع دينياً فالظاهرة تجاوزت شقّها الديني والطائفي حين تحولت إلى ظاهرة عالمية يشارك فيها رحالة ومثقفون جاؤوا من مختلف أصقاع الأرض. غامِروا بالاقتراب فلن تحترقوا وان احترقتم فهذه نار العشق التي تدفئ قلوب العاشقين فلن تمسكم بسوء، حين تقتربون ستجدون هناك موائد الثقافة والعقائد والقيم والمسرح والجغرافيا والتاريخ والسرد الشفاهي المحكي والمكتوب، ستجدون الأناشيد والشعر والحكمة وعادات الشعوب والأطعمة والأشربة والمنام في فراش غريب لكنه أليف وقريب من قلبك، اِسلكوا درب ملايين العشاق لتكتبوا بصدق عن حب الشعوب للحسين ولمسيرة ثورته الناهضة الخالدة لبناء الأبدان والأوطان إلى الأبد.