الوعي القانوني يشكل حصانة لدولة القانون

مقالات
  • 5-07-2021, 08:28
+A -A

 زهير كاظم عبود
يشكل الوعي القانوني مساحة مهمة في عملية بناء دولة القانون، ويلزم لتحقيقه الرغبة والقبول والدافع لدى الافراد، حتى يمكن ان يتعرف المواطن على حقوقه وواجباته، وحتى أيضا تكون له مساهمة إيجابية في رصانة بناء دولة يحكمها القانون وينظم عملها وأسس الحكم فيها الدستور، وتشكل إرادة المجتمع في النظم الديمقراطية تفويض السلطات لاداء عملها تحقيقا لمصلحة الشعب «وفقا لنظرية العقد الاجتماعي»، وغالبا ما تكون السلطات الثلاث، تشريعية وتنفيذية وقضائية، وينسحب معناها الى الحكومة والدولة. 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
ومن بين النظريات التي تعتمد على مبدأ الإرادة، نظرية فصل السلطات التي يعتمدها الدستور العراقي، وهذا الفصل لا يعني بأي حال من الأحوال العزل الكامل أو الاستقلالية التامة، لأن الفصل هنا من اجل ألا يحصل تداخل في أساليب العمل والاختصاص، ويكون الفصل  مع وجود ترابط منهجي في العمل، إضافة الى اعتبار المؤسسة العسكرية خارج أطار تلك السلطات، بوصفها المؤسسة العاملة لحماية تلك الدولة وكفالة ضمان عمل تلك السلطات وفق النصوص الدستورية،  مع أن هناك من يعد هذه المؤسسة  جزءا مهما  من السلطة التنفيذية. 
واتفق الفقهاء في القانون الدستوري أن الأمة هي صاحبة الإرادة الشعبية وهي مصدر السلطات وهي التي تخول أو تمنح الهيئة السياسية بعضا أو كلا من التصرفات التي تملكها والتي ينص عليها الدستور.   ومن خلال هذا التفويض والصلاحيات تتمتع الدولة بشخصية معنوية مستقلة، تمارس جميع الحقوق الممنوحة للشخص المعنوي لكن شخصيتها منفصلة تماماً عن شخصيات الأفراد الذين يمارسون السلطة والحكم فيها، والشخصية المعنوية هي شخصية افتراضية. 
   وتكون الدولة وحدة قانونية مستقلة عن شخصيات الهيئة المسيطرة على الحكم، اذ يتمتع كل واحد منهم بشخصية حقيقية مستقلة وذمة مالية مستقلة لا علاقة لها بذمة الدولة، لا تمسها الشخصية المعنوية للدولة ولا تتداخل 
معها. 
المعاهدات والاتفاقيات الدولية المبرمة مع هذه الدولة تبقى غير متأثرة بدخول أو خروج الأفراد ما داموا يحملون التخويل الشرعي والقانوني، وأن هذا الأمر لا يؤثر في التبدل الحاصل في أسماء ووجوه العاملين في مؤسسة الدولة، مثلما لا يؤثر في العقود والاتفاقيات التي يعقدها الشخص المعنوي «الدولة» قبل ذاك. 
ودور المؤسسة التشريعية التي يفترض بها أن تكون منتخبة من الشعب انتخابا مباشرا حتى يمكن أن تقوم بمهمة التشريع بشكل حقيقي، دورا تمثيليا واعتباريا، وباعتبارها تم تفويضها وتوكيلها من الشعب لتشريع القوانين وتطوير التشريعات بما يضمن المصلحة العامة للشعب. 
وإذا كانت الإرادة العامة هي الأساس الذي تقوم عليه تلك السلطات، فأن الأمر يعني أن هناك وعيا قانونيا يختلف بين مجتمع وآخر، يدفع بتلك الجماهير الى اجراء العقد الاجتماعي وتفويض البرلمان أو مجلس النواب تلك المسؤولية الاعتبارية باعتباره ممثلا  عن شرائح المجتمع التي تجسدت في عملية الانتخاب إن تمت بشكل صحيح وشرعي. 
ويتعلق الأمر بالوعي الانتخابي الذي تفترضه الإرادة الواعية التي انتخبت المؤسسة التشريعية وهذه المؤسسة ستكون نائبا لمصالح تلك الشرائح التي انتخبتها بكامل إرادتها ووعيها. 
ولهذا السبب فإن موقع الإرادة الشعبية مهما وأساسيا في عملية بناء دولة الدستور والقانون، وعملية بناء الدولة الحديثة القائمة على أسس تلك المعايير الدستورية، يجعل من تلك المؤسسات التي تشكل بمجموعها الحكومة أدوات منفذة للإرادة الشعبية، وبذلك تتخلص من هيمنة شخص الحاكم أو المؤسسة الحاكمة، كما يلغي عملية حصر السلطة في مؤسسة أو جهة واحدة. فإذا كان الدستور هو الوثيقة التي تنص على القواعد العامة والمبادئ الأساسية التي تحدد شكل النظام السياسي، وتحدد الحقوق والحريات العامة للمواطن، وتتعرض الى واجبات رئيس الدولة وتكوين السلطات الثلاث، فإنها أيضا ترسم وتحدد العلاقات بين الدولة والمجتمع وبين مؤسسات 
الدولة.
وفي الوقت الذي تنص فيه مواد الدستور على تلك التفصيلات، فان حماية مصالح الشعب في ترسيخ أسس القانون لا يمكن التزام الناس بها وجعلها قواعد ملزمة ما لم تقنن بقانون ملزم مع ما يتطلبه من ضوابط قانونية وقواعد تنظيمية وإجراءات بحق الخروق والتجاوزات والتعديات تنظمها بشكل عام تلك القوانين. 
ومسألة الوعي القانوني والدستوري غاية في الأهمية، بل هو أهم أجزاء الوعي الجماهيري بشكل عام، ولا يقتصر عدم توفر الوعي القانوني على الأميين من أفراد الشعب، بل ويمتد الى قطاعات واسعة من المتخرجين المتعلِّمين.
الوعي القانوني أن يعرف المواطن ما له من حقوق وما عليه من واجبات، وأن يدرك حقوقه الدستورية، وأن يتعرف على واجباته والتزاماته القانونية تجاه الدولة،  وأن يعرف ما يحكم علاقاته ومعاملاته مع الدولة ومع الغير من قواعد. 
 وتوفر الوعي القانوني بدرجاته منوط برغبة تلك الجماهير على تقبل مفاهيم القوانين وفهم نصوص الدستور، إضافة الى مساهمة فعالة من منظمات المجتمع المدني والأحزاب في عملية نشر الوعي وتبسيط المفاهيم القانونية والدستورية . 
وفي حال عدم توفر الوعي القانوني والدستوري يصار الى استغلال ذلك الظرف من قبل المرشحين والأحزاب التي تدخل العملية الديمقراطية التي يتم إفراغ جزء مهم منها، في حال عدم توفر الوعي بين تلك الجماهير أو على الأقل تأهيلها لتعي مسألة الاختيار والحقوق.  
لا يعود إهمال الوعي بالدستور إلى  عدم توفر الأرضية والقواعد العامة للثقافة القانونية بشكل عام ، وإنما يعود إلى جيل قديم من السياسيين لا يقيم لتلك الثقافة ولا يعير اهتماما للثقافة القانونية ، مع إن تلك الأحزاب والجيل الذي عاصرها كان واعيا من النواحي السياسية والثقافية،  إضافة الى  أن الدستور العراقي ومنذ كتابته لأول مرة «القانون الأساس» وتغييره بعد حلول الجمهورية ونهاية الملكية، وصيرورته «دستورا مؤقتا»، لم تكن الناس تتعرف على أسباب كتابته بالشكل المؤقت والقواعد التي استند اليها في التشريع، كما لم تكن الناس تعرف تلك النصوص التي تحدد حقوقها وواجباتها، لأنها أصلا من دون حقوق في ظل السلطات الدكتاتورية أو العسكرية أو الانقلابية غير المشروعة، كما لم تتعرف الناس على السلطة التي تضمن تلك الحقوق،  والمرجعية التي تحدد ماهية تلك الحقوق  والجهة التي تعين وتحدد الخروقات والتجاوزات الحاصلة عليها، إضافة الى أن الدساتير المؤقتة كانت  عرضة للتغيير أكثر من مرة مع تغير الحكومات سواء بالانقلابات أو بالمزاج والظروف التي تتحكم في شخوص تلك الحكومات. 
ويبقى العراقي  بحاجة إلى إعادة بناء الثقافة الدستورية من جديد،  بناء وعي جديد للمواطن العراقي بالحقوق والواجبات المنصوص عليها في  الدستور، وتعريف المواطن ضمن تلك الثقافة بأهمية الممارسة الديمقراطية واختيار ممثلي الشعب، إضافة الى معرفة المواطن بالمرجعية التي يمكن الاحتكام اليها في حال الخرق أو التجاوز على الدستور أو على القوانين التي نص عليها الدستور، وهذا لن يتأتى من دون نقاش حر ومسؤول،  من أجل أيجاد صيغ ثقافية شعبية تبسط التعابير القانونية، وتسهم في ايصال تلك المعلومات الثقافية التي ظهر نقصها واضحا في مسألة الوعي وحرية التعبير والاختيار، ليفهمها المواطن العادي وتقع على عاتق منظمات المجتمع المدني تبسيط تلك المعاني والمفاهيم.
إن من سلبيات عدم وجود هذا الوعي سهولة تمرير الحكام والمسؤولين في المؤسسات التنفيذية الخروق الدستورية ومحاولات تطويع تلك النصوص لمصالحها، وبالتالي تهميش قيمة العقد الاجتماعي مع الهيئة العامة، إضافة الى سهولة التبرير وتبسيط قضية التعديل الدستوري بما يتعارض مع شكل الدستور الذي يتطلب آلية غير سهلة في التعديل. 
 ومن أجل بناء دولة المؤسسات وترسيخ سيادة القانون ينبغي ليس فقط  الفصل بين السلطات الثلاث «التشريعية والتنفيذية والقضائية» وإنما يقتضي  تحقيق التوازنات بينها،  و تشجيع دور  مؤسسات المجتمع المدني، و إصدار قوانين الحرية السياسية التي تؤمن عمل  ونشاط الأحزاب الوطنية، ووضع النصوص الدستور التي تمنع  ظهور أحزاب تتبنى المناهج العنصرية أو الإرهابية أو التكفيرية أو الطائفية، واحترام حقوق الإنسان  من خلال التأكيد على الحقوق المدنية والسياسية بما ينسجم مع خصوصية الشخصية العراقية والمبادئ العامة لحقوق الإنسان.