كورونا.. إشاعة الجهل

مقالات
  • 31-05-2020, 12:04
+A -A


علاء هادي الحطاب 
أصعب التحديات التي يمكن أن يواجهها أي مجتمع في سبيل تطوره وتقدمه وأمنه ورفاهيته هو الجهل ، لذا نجد أن الدول المتقدمة اليوم كانت في صيرورة تطورها قد أنفقت الكثير من الأموال والجهود في سبيل العلم والبحث، وأدركت منذ البداية أن أساس أي نجاح، سواء في تجاوز مشكلة ما أو المضي بمشروع، هو العلم والمعرفة والبحث المستمر، وعلى هذا أصبحت التنشئة الاجتماعية لتلك الأمم المتقدمة قائمة على المعرفة والدراسة والبحث، ففي بعضها تنعدم الأمية، وكان الكتاب ولايزال رفيق مواطنيها في وسائط النقل العام، ولا يكاد الكتاب يفارق كبيرا لهم أو صغيرا، لذا تجد الدولة لا تألو جهدا كبيرا في إمضاء سياساتها العامة على مواطنيها. 

وبالفعل استجاب مواطنو معظم دول أوروبا لسياسات حكوماتهم لمواجهة جائحة كورنا رغم "ليبرالية" حياتهم، والتزموا عن دراية وقناعة في السياسات العامة التي فرضتها الدولة عليهم، بل أن بعض تلك الدول كالسويد لم تفرض الحظر الشامل لتنقل مواطنيها بل اعتمدت على وعيهم في تنفيذ إجراءاتها الوقائية للحد من انتشار هذا الوباء، وبالفعل بدأت أعداد المصابين والوفيات تتراجع كثيرا، نعم الحياة ليست وردية وهناك شواذ لـ"قاعدة التزام" المواطنين، لأننا في أزمة ولسنا في حالة رخاء، لكن النسق العام للمجتمع كان مستجيبا لإجراءات دولته وهذا مرده بالشكل الأساس إلى الوعي التراكمي والثقافة المتواصلة بين الأجيال، والتنشئة العامة الصحيحة التي تساعد المجتمع على فهم دوره أزاء نفسه والدولة. 

بالمقابل وللأسف عندنا من شكك حتى اللحظة بوجود وباء يفتك بالناس أسمه وباء كورونا "كوفيد-19" وينظّر أن هذا المرض كذبة، تارة أميركية وأخرى صينية، وشخصيا سمعت ممن يعدون أنفسهم "نخبة" ذلك التشكيك متسائلين.. (هل يوجد في عشيرتك من أصيب أو توفي بكورونا؟) وكأن من يصابون اليوم في العراق والعالم أو المتوفين به جاؤوا من الفضاء.

وهذا الجهل بالتعامل مع وجود وباء عالمي أنتج ما نشاهده هذه الأيام من ارتفاع مستمر في عدد الإصابات نتيجة عدم التزام الناس باجراءات الوقاية، فضلا عن الحظر، ووصل الأمر إلى عودة حفلات الأعراس في الشوارع. 

هذا الجهل أفقدنا المبادرة في إمكانية التخفيف من سرعة انتشار المرض، وإن استمر سيفقدنا كثيرا من الأحبة، وستحل بنا كوارث لا تتوقف فقط عند ازدياد حالات الإصابة وخروج الأمر عن سيطرة الكوادر الصحية، بل ستعقبها أزمات مجتمعية واقتصادية مهلكة - لا سمح الله - ولن يدرك عندها من عَمِلَ على تجهيل الناس عِظم خطيئته، لأنه مصر على ذلك وواقع في جهل مركب، جاهل، وجاهل بأنه جاهل. 

مهما فُرضت إجراءات للحظر فلن تنجح ما لم يكن المجتمع طرفا في إنجاحها وكل "تأريخ الأوبئة والأمراض " لم تنجح إلا باستجابة المجتمع لممكنات تجاوزها، فلنتكافل هذه المرة على توعية المجتمع بأنه صاحب المبادرة في سلامة أبنائه.