النخلة، الزيارة الأربعينية، في لائحة التراث العالمي

مقالات
  • 11-02-2020, 09:18
+A -A

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
بغداد - الصباح
عبد الزهرة محمد الهنداوي
 في العراق، ثمة متلازمة وطيدة، لا يمكن فصلها بين النخلة والكرم، فلا أظن أن شجرة تفيض كرماً مثل النخلة العراقية، ففضلا عن ثمرها المميز (التمر)، فإن كل جزء من مكوناتها هو مشروع كرم ولذلك، ليس غريبا ولا مستغربا، أن يأخذ العراقيون طباع النخلة في شموخها (باسقة)، وكرمها غير المتناهي، ولا أظن أن شعبا كريما مضيافا في أرجاء المعمورة كلها يداني العراقيين في كرمهم وضيافتهم، ومصداق ذلك.
ما تشهده مدن العراق سنويا من كرم غير مسبوق وضيافة ليس لها نظير في العالم أجمع، عند زيارة أربعينية الإمام الحسين، التي تمثل أكبر تجمع بشري عفوي في العالم، حين تناهز أعداد الزائرين الـ(20) مليون إنسان، يأتون سعيا من كل بقاع العالم  إلى كربلاء على مدى شهر تقريبا، الأمر الذي يثير إعجاب وعجب شعوب الأرض، فكرم العراقيين لا يقف عند حدود، لدرجة أن بعض خبراء الاقتصاد يعدونه هدرا 
للموارد.
وهنا، وحين أتحدث عن النخلة والكرم العراقي، فلست بوارد الدعاية أو الترويج للنخلة أو التعريف بالكرم العراقي، فالعالم كله يعرف عراقة وأصالة النخلة العراقية التي تستحق منا الكثير من العناية والرعاية، كما أن العالم كله خبَرَ الكرمَ العراقي الأصيل، إنما جاء الحديث لمناسبة موافقة اليونسكو على تسجيل النخلة العراقية بوصفها رمزا عراقيا أصيلا، وأربعينية الإمام الحسين بوصفها أكبر تجمع بشري يحظى بكامل الرعاية من المجتمع، على لائحة التراث العالمي البشري غير المادي، وأعتقد أن خطوة اليونسكو هذه تمثل انجازا ثقافيا وانسانيا يستحقه العراق، وقد تحقق نتاج جهود كبيرة بُذلت في هذا الشأن، وإذ نثمن ونقدر عاليا هذا المنجز الوطني، الذي ربما جاء متأخرا، ولكن أن يأتي متأخرا خيرا من أن لا يأتي أبدا، ذلك لأن النخلة العراقية لم تظهر إلى الوجود اليوم، لتكتشف اليونسكو أنها تمثل رمزا وأصالة للعراق، فهذا البلد الأمين كُنِّي بأرض السواد، لكثافة نخيله منذ أن خلقه الله، ولعل حال النخلة اليوم أسوا بكثير مما كانت عليه في عصر الدولة العباسية، أو حتى قبل 50 أو 60 عاما من اليوم، يوم كان عديد النخيل عندنا أكثر من 30 مليون نخلة، وكان التمر العراقي، بأصنافه الكثيرة،  ينتشر في كل أصقاع العالم. ولكن، وفي السنوات الأخيرة، واجهت بساتين النخيل ظروفا صعبة، تسببت بفقدان الملايين منها، ما أدى إلى تراجع أعدادها بنسبة تصل الى 50٪، فمن أصل 30 مليون نخلة، أصبح العدد أقل من 16 مليون نخلة، بعد أن جرى تجريف مساحات واسعة من بساتين النخيل، أما لأسباب أمنية كما هو عليه الحال في زمن النظام السابق، لا سيّما في العام 1991، أو لأسباب سكنية، بعد العام 2003 حين عمد أصحاب تلك البساتين إلى تقطيعها وتحويلها إلى أراض سكنية، من دون أن تحرك الجهات ذات العلاقة ساكنا لإيقاف مثل هذا التعامل الجائر، مع النخلة، على الرغم من معرفة وإدراك الجميع إنها  تمثل واحدة من أعظم الثروات التي يتمتع بها العراق. 
ولذلك، ينبغي أن يكون إدراج النخلة في لائحة التراث العالمي غير المادي، فرصة مناسبة لأن تكون لنا وقفة جادة من أجل إعادة البهاء والنماء لهذا الرمز الأصيل، ليس فقط بالكلام وكتابة المقالات التي تشيد بخطوة اليونسكو، إنما من خلال اتخاذ خطوات عملية جادة، وتبنّي مبادرات وطنية، لزيادة غرس النخيل، من خلال الإفادة من العديد من القنوات المهمة، ومن ذلك مثلا، استثمار المشروع الوطني لتشغيل الشباب، في إقامة مشاريع لزراعة النخيل، وأعتقد أن مشاريعَ من هذا القبيل ستكون مثمرة ومربحة، فضلا عن كونها تمثل دعما حقيقيا للتنمية، وكذلك بالإمكان استثمار جانب من الاتفاق العراقي - الصيني في إعادة تأهيل بساتين النخيل والاهتمام بالأصناف النادرة التي بدأت تنقرض شيئا فشيئا، فهناك الملايين من النخيل   التي أصبحت أعجازا خاوية ينبغي قلعها، وغرس فسائل جديدة مطوّرة من النخيل بدلا عنها. وثمة قضية أخرى يجب الالتفات إليها، ونحن نتحدث عن إعادة الهيبة والبهاء للنخلة، وهي أن نهتم بعملية الترويج والتسويق لمنتجات التمور، لأن ما يتم استيراده من الخارج ليس أفضل من الأصناف العراقية الموجودة عندنا، إنما يبدو كذلك بسبب شكل وطريقة التعبئة المغرية. لا يجب أن يقتصر على جهة دون أخرى، فهذه مهمة الجميع.
نعم، إنها فرصة مناسبة لاستثمار خطوة اليونسكو بإدراج النخلة في لائحة التراث العالمي، لكي نزيد اهتمامنا بهذا الرمز الضارب في أعماق التاريخ والجغرافية والاقتصاد العراقي، وانتشالها من حالة الإهمال والتردي الذي تعانيه منذ سنين، فهي مصدر مهم من مصادر ثروتنا، 
واكتفي بالحديث عن النخلة، حديثا عن الكرم العراقي، الذي وجد طريقه سالكا هو الآخر إلى لائحة التراث العالمي.
مبارك لنا هذا الإنجاز، وأملنا كبير بنخلتنا الباسقة ذات الأكمام  الوارفة والطلع النضيد، أن تعود إلى سابق عهدها الزاهر، وأن نغدق كرمنا عليها، لأنها تستحق منا الكثير، والا فإن وجودها بات مهددا.