الرئيسية / عبد الرزاق قرناح عن (الحياة بعد الموت) والنفاق الكولونيالي

عبد الرزاق قرناح عن (الحياة بعد الموت) والنفاق الكولونيالي

محمد تركي النصار

يروي عبد الرزاق قرناح في حديثه الى قناة البي بي سي خلال برنامج (تاريخ العالم في مائة موضوع)، كيف عثر ذات يوم في زنجبار على شذرات من الشعر الصيني عندما كان شابا: (يحدث في ما بعد، عندما تبدأ بزيارة المتاحف وتسمع القصص المتكررة عن الاساطيل الصينية الضخمة التي تزور الشرق أن يأخذ ذلك الموضوع قيمة خاصة تشير الى ما هو أهم، حيث تبدأ برؤية ذلك الشيء بوزنه وجماله الحقيقيين، وهو أمر يجعل هذا الحضور متواصلا ومؤثرا على مدى قرون من الثقافة، بعيدا عن الصين.

ينظر الكثيرون الى قرناح بأنه مجرد كاتب من زنجبار، روائي من شرق افريقيا، يكتب عن عوالم المحيط الهندي، وبوصفه كاتبا بريطانيا فهو يعبر عن ثيمات، الذاكرة، والبحث عن وطن بديل، وتكوين فضاء شخصي.

تعاني شخصيات قرناح مثل شذرات الشعر الصيني من التشظي لكنها تكافح برغم ذلك لخلق عوالم ذات قيمة ومعنى.

وتتحدث رواياته الاخيرة عن محاولات للانطلاق نحو افاق مختلفة، رجل يبدأ وظيفة جديدة تحدث نقلة في حياته، وفي مكان اخر نرى شابا عسكريا كان يقاتل في جيش الدولة الغازية يعود الى وطنه، ثمة دائما حضور لحالة التشظي والاضطراب والهجر.

تبدأ رواية (الحياة بعد الموت) من المانيا ما قبل الحرب العالمية الاولى التي كانت تحتل شرق افريقيا وتحديدا ما يعرف اليوم باسم تنزانيا ونتتبع حلقات السرد عن شخصيات تتصارع.. ونرى هزيمة الاستعمار الالماني من قبل بريطانيا، ويكون التركيز الاساس على تأثير تلك الوقائع والكولونيالية في مصير الشخصيات:  كيف يتحرك الناس ويلتقون ويكونون اسرا ليبدأوا مسيرتهم في الحياة.

ينظر لرواية (الحياة بعد الموت) على انها تكملة لرواية قرناح التي رشحت لجائزة البوكر عام 1994 وأعني بها (الفردوس) التي نرى فيها الشخصية الرئيسة (يوسف) يتم ارساله لحل مشكلة ديون والده من خلال العمل مع احد التجار، هذه القصة التي تشكل خلفية للأحداث اللاحقة شبيهة بشخصية حمزة احدى شخصيات (الحياة بعد الموت) التي تواصل بشكل متتابع نهايات الاحداث في رواية (الفردوس).

(كنت دائما أسعى للكتابة عن الحرب) يقول قرناح متحدثا عن كتابه الأخير، وبعد سنتين شعرت بأن هذا هو الوقت المناسب للبدء، ولم يكن هدفه ان يعمل بحثا مباشرا لكنه أخذ بتجميع المعلومات والتفاصيل لكي يفهم الكولونيالية متأملا بقصص وتجارب كان يسمعها، ولم يشعر بأي نوع من القسرية لكتابة الرواية، وتوقيت نشرها كان مناسبا وجيدا، لاسيما ان القوى الاستعمارية السابقة مثل بريطانيا والمانيا بدأت مرة اخرى تحديا لفحص تاريخها  (انه انهماك متواصل في التفكير بهذه القضايا) يقول قرناح، مضيفا: كان هناك على الدوام كما يبدو هذا المناخ لمهاجمة الغرباء واظهار العداوة لهم، لكن وفي الوقت نفسه كانت هناك المقاومة أيضا والقتال المضاد.

تتم غربلة الأحداث التاريخية في روايات قرناح من خلال التجارب الشخصية، ففي رواية (الحياة بعد الموت) تجري الوقائع بسرعة حيث نرى قصة الحب بين حمزة وعافية بايقاع سلس برغم مايحيط بهما من مصائب.

هذه الرواية في صميمها عبارة عن مسلسل من المشاهد لشخصيات موجوعة نفسيا تواجه صدمات متلاحقة، ومثلما يوضح العنوان نرى النتائج المترتبة على هذه الصدمات لاحقا .

 بعض الشخصيات مثل باي أشا يملؤها الأسى والاحساس بالمرارة وشخصيات اخرى مثل حمزة تتمتع بالقدرة على المناورة والتحرك محاولة تخطي وضعها، وكذلك تحتفي الرواية بشبكة العلاقات الداخلية للمجتمع وما يتشكل بينها من وشائج ومواجهات، فنرى حالات الفشل والاحباط التي يواجهها أفراد الأسرة الواحدة الذين يعيشون على هامش المجتمع محاولين تخطي العقبات التي تواجههم, شخصية خليفة مثلا الابن الشرعي لرجل اسيوي وامراة افريقية بامكانه السفر والتنقل بين المحيطين الاسيوي والافريقي.

هذا النمط من العلاقات بين سكان زنجبار في رواية (الحياة بعد الموت) كان امرا شائعا بمن في ذلك اهل واقارب قرناح نفسه الذي يتحدث في أعماله الروائية عن كيفية وصوله الى بريطانيا هاربا من النظام السياسي القمعي خلال مرحلة الستينيات.

 يؤكد قرناح بأن هناك ترابطا بين العنف والارهاب والفقر وقمع حرية التعبير والاحتجاج.

 (كان الوضع خطيرا عندما غادرت حيث الناس يسجنون وهامش المناورة كان محدودا جدا للعمل وتحقيق الرفاه، ولم يسمح للناس بالتعبير عن ارائهم بصوت عال لاعلان رفضهم للأوضاع السائدة).

ونرى وصفا مفصلا للمناخ السياسي الظالم في زنجبار وتنجانيقا في رواية (قرب البحر) التي صدرت لقرناح عام 2001 حيث الأسى المرير والقسوة والتصريحات القمعية تبلغ ذروتها في الاعتقال والسجن والاذلال وتجارب الشخوص المليئة بمشاعر الوحدة والاضطراب والصدمات المتلاحقة يعبر عنها من قبل شخص جاء الى بريطانيا لاجئا واستغرقه الأمر ثمانية عشر عاما ليوجه تركيزه على تلك التجارب في روايته الاولى.

يستخدم قرناح الكلمات والعبارات السواحلية في كتاباته بما في ذلك رواية (الحياة بعد الموت) ليعبر للقارئ عن فكرته في استخدام اللغة وتأثيرها في الادب .

وفي الفيلم الوثائقي الذي عرضته القناة الرابعة للبي بي سي المعنون (افريقيا تقلب الصفحة) تتحدث مقدمة البرنامج عن الجدل بين الروائي الكيني نغوغي وا ثيونغو والروائي النيجيري تشينوا اتشيبي عن ضرورة الكتابة باللغة الانكليزية التي يتبناها اتشيبي للوصول إلى أكبر عدد من القراء أو الكتابة باللغات الافريقية كجزء من مقاومة الكولونيالية التي يتبناها ثيونغو.

 قرأت روايات قرناح بوصفي ابنا لرجل اسيوي شرق افريقي نما وترعرع في الساحل السواحلي (أبي من مومباسا)، ودائما أبتسم للأصوات المألوفة الموجودة في الصفحات التي أقرأها، وعندما نتحدث في التلفون أغامر باستخدام بعض العبارات في التقديم والتوضيح – بابابانغا اناتوكا مومباسا- قبل أن نواصل حديثنا باللغة الانكليزية.

تتحدث شخصيات قرناح الى الهويات المركبة فبالنسة لهناء علي تمثل رواياته تجارب يظل يتكرر صداها الى حد انها جعلت منها موضوعا لاطروحتها عن الدكتوراه (رواياته تظهر التأثير الثقافي للاسلام والاثنية واختلاط الاثنيات بالتوازي مع الانتشار السريع لماسي الاستعمار والاضطراب الموجهة للغرب، بعض الشخصيات أصاعت الثروة والوجاهة فصارت تتظاهر بالانتماء لمستوى أقل من حقيقة وضعها للتكيف مع الحال الجديد الذي وجدت نفسها فيه.

الشخصية الرئيسة في رواية (قرب البحر) يتظاهر بأنه لايجيد التحدث باللغة الانكليزية لأن البعض أخبره بأن هذا سيساعد على حصوله على حق اللجوء السياسي، آخرون اجبروا على الكذب أو التلاعب بالحقائق للانصياع والتعايش، حيث نرى في رواية (الحياة بعد الموت) بأن الناس الذين خدموا في الجيش الالماني كان التعامل معهم محاطا بالشكوك والريبة من قبل الغزاة البريطانيين الجدد، على الرغم من حقيقة ان هؤلاء قد اكرهوا على الانسياق في تلك الأدوار، وحقيقة ان البريطانيين الغزاة الجدد يقومون بالفعل نفسه مع السكان المحليين.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام

30-10-2021, 08:08
المصدر: https://www.ina.iq/139868--.html
العودة للخلف