الرئيسية / سوالف الكومبيوتر

سوالف الكومبيوتر

ياسين النصير

ما يحدث لي مع جهاز الكومبيوتر لا أعتقده يحدث للجميع، أحيانا أصرخ بشاشته لأنه لايستجيب لضربات الماوس، وأحيانا ينفخ من تلقاء نفسه عندما اوصله بالكهرباء، ومرات عديدة لا اجد ما كتبته يوم أمس على الشاشة، هذه وغيرها قد تهون، ولكن ان يتعمد فقدانك مقالتين او دراستين اشتغلت عليهما لأشهر، فهذا ما لا يقبل عرفا وقانونيا، فقد فقدت ثلاث مقالات طويلة لثلاثة شعراء مهمين كما يعتقد الجميع هم الشاعر فاضل العزاوي والشاعر كريم كاصد، والشاعر شاكر سيفو، وكانت ضمن مشروعي بدراسة شعراء متميزين انتجت عن بعضهم كتبا وانتجت عن الآخرين مقالات نقدية طويلة، المشكل ان جهاز الكومبيوتر غالبا ما يطفأ وأنا أعمل، وحين ابحث عن المادة التي اشتغل عليها قد أعثر عليها وربما لا أعثر، وكانت هذه المقالات من ضمن مفقوداتي الثمينة.

هنا، لا أعتذر من أحد،  ولا أبرر لأحد، ولكني حزين لأنني لم أتعلم العمل بما فيه الكفاية على الجهاز بطريقة احترافية، وهذا ما يجعلني مهما امتلكت من خبرة، أسيرا لتقنيات مبهمة تمنحني المعلومات القليلة بامكانية استرجاع ما فقدته، يقال لي ثمة طريقة بحث في المفقودات بامكانك ان تسترجع ما ضاع منك، ولما سألت عنها قالوا: هذه الطريقة من اختصاص الخبراء، ترى أين نحن من الخبرة ومازلنا "نطفش" بأيدينا بين أيقونة وأخرى بحثا عما نريد فيظهر لنا احيانا ما لا نريد، وعندما تواصل البحث تنسى ما ابتدأت به لتضيع في غابة الايقونات كما لو كنت في اللا مكان.

ليس جهاز الكومبيوتر الشاشة وما اختفى وراءها فقط، ثمة كون مجهول من التقنيات يكمن خلف اي مفتاح فيه، ربما قال صديق مختص السبب أنك قد غيرت الماوس، وقال آخر ربما حذفت المقالات بعد حفظها، وقال ثالث خبيث ربما لم تقتنع بما كتبت فحذفتها وادعيت ضياعها، وقال ثالث ربما لم تكتبها أصلاً، وما ادعاؤك إلا من قبيل تبرئة نفسك من ذنب أنت تتهم نفسك به، ليس عندي الا إجابة واحدة، وهي ان الشعراء الذين ضاعت كتاباتي عنهم ليسوا بحاجة إلى اية كتابة مني، فهم قامات شعرية شهد لهم الزمن والثقافة، الشعر والترجمة، لذلك لا اعتقد ان اية كتابة عنهم ستضيف لهم شيئا، بقدر ما تضيف لي أنا الساهر على القراءة والكتابة بعض الجدوى والمنفعة. إذا كان شأن الكتابة المفقودة هكذا فماذا يكون شأن الرسوم والصور التي تضيع؟، ما شأن الرسائل الشخصية التي افتقدها؟ هذه الاسئلة حملتها معي لآخر محل اشتريت منه جهازي الجديد، قلت عسى أن يرشدني إلى طريقة احتفظ بها ما اكتبه وما ادخره، سألته، ووسط ابتسامته العريضة، قال: ومن قال لك انك بمجرد امتلاكك للجهاز اصبح الجهاز ملكا لك؟، هذه الاجهزة لا تعرف الصداقة ولا الملكية حتى لو جيّرت باسمك وهويتك ورقم منزلك، لها ما يبرر اشتغالها بنفسها عندما لا تجيد التعامل معها، السبب قال البائع الخبير هو انت وليس الجهاز، ومعنى انت تلخصها الخبرة الناقصة، ثم أردف وهو يضحك: الاجهزة مثل المرأة عندما لا تجيد التعامل معها ترفضك، وان كثرت معها اخطاؤك انتبهت لنفسها من دون ان تنتبه لك.

ومع ذلك أرشدني الى طريقة ولكن بعد فوات الآوان، وهي ان أحفظ ما أكتبه في اكثر من مكان، قلت للبيت مخزن واحد، قال: مع ذلك، ليست المخازن بحجم واحد، فالقلب يخزن الأحزان والأفراح، ويخزن ما لك وما للآخرين ايضا، هذا هو معنى الفايل عندما تسحبه للقراءة تعثر فيها جملة من التقنية المتسلسلة وعندما لا تجيد تتبع الخطوات ستقفز دون قمين، ومن ثم ستقع في وهم المعرفة، اختر ما يناسب ذاكرتك. ربما تحتاج إلى أكثر من قلب للحفظ.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام

26-10-2021, 08:51
المصدر: https://www.ina.iq/139547--.html
العودة للخلف