الرئيسية / عبدالرزاق قرنح.. عن فوزه بنوبل: «ما كنت لاختار نفسي»

عبدالرزاق قرنح.. عن فوزه بنوبل: «ما كنت لاختار نفسي»

 ديفيد بيلينغ 
 
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
 ترجمة: ليندا أدور
كان عبدالرزاق قرنح في مطبخ منزله بمدينة كانتربيري، جنوب شرق انكلترا، يصنع لنفسه كوبا من الشاي عندما تلقى إتصالا يخبره بأنه فاز بجائزة نوبل للآداب للعام 2021. وجد الأستاذ المتقاعد ذو الـ 72 عاما، الذي غالبا ما يحرص على تشذيب لحيته الرمادية بشكل أنيق ومرتب، نفسه مندهشا، وإن كان مبتهجا، بقوله إنه لم يكن لديه أدنى فكرة أو معرفة بأنه مرشح لها، إذ يقول في حديثه لهيئة الإذاعة البريطانية ليلتها: «ما كنت لأختار نفسي». لقد بدا الأمر وكأنه حياء أو خجل انكليزي مناسب لرجل ولد في زنجبار في العام 1948، لكنه أمضى الجزء الأكبر من خمسة عقود من عمره عاشها بهدوء في بريطانيا.  
حياة هادئة وتاريخ صاخب
نشأ قرنح لأسرة ثرية في سلطنة زنجبار، التي كانت يوما ما مركزا لتجارة الرقيق من العرب، لكنه فر من الجزيرة، التي أصبحت فيما بعد جزءا من تنزانيا، بعد ثورة العام 1964، التي اضطهدت سكان البلاد المنحدرين من أصول عربية وأغلقت على إثرها المدارس، ليجد نفسه، مفلسا يغمره الحنين الى وطنه، في بريطانيا التي، غالبا، كانت غير مضيافة. بعد إكماله لدراسته في كانتربيري، وحصوله على شهادة الدكتوراه من جامعة كنت، أصبح عضوا في هيئتها التدريسية، ليدرس اللغة الانكليزية وآداب ما بعد الاستعمار. 
كتب في أوقات فراغه عشر روايات، حظي من خلالها -حتى مؤخرا- بمتابعة كبيرة، إن لم تكن مخلصة. لدى سؤاله عن أي من مؤلفاته التي يوصي بها، فأجاب بأنه يرجح أن جميعها قد نفدت من
السوق.
«مثير للذكريات والعواطف»، هو الوصف الذي يمكن أن نطلقه على أسلوب قرنح الأدبي لولا حقيقة أنه ينفخ الحياة في قصص الأشخاص والأماكن المنسية، إن لم تكن ممحوة عمدا، في زوايا التاريخ، اذ تستحضر رواياته، التي تدور أحداث معظمها على الشاطئ السواحيلي شرقي افريقيا في أوائل القرن العشرين، وهو ما تطلق عليها الكاتبة الزيمبابوية نوفويو روسا تشوما «إحساس بالحيوات الهادئة التي نعيشها جنبا الى جنب مع التاريخ الصاخب والوحشي الكاسح».
عن شخصيات رواياته، يقول قرنح بأنها «مشكّلة لكنها غير محددة» بالظروف، ففي روايته الأخيرة «الحياة ما بعد الموت»، تتعرض فتاة للضرب من قبل والديها بالتبني لأنها تعلمت القراءة سرا، لكن، مع ذلك، تستمر بالتودد الى الشاب الذي سيصبح زوجها، وتلقي النكات وتعيش حياة تفرضها بإرادتها، فشخصيات قرنح، قبل كل شيء،
هم بشر.
 
بريطانيا الشديدة البياض
تتناول العديد من روايات قرنح مع موضوعة الهجرة التي وصفها للصحفيين بأنها «ظاهرة عصرنا هذا»، وبخاصة للذين دُفعوا أو سُحبوا من الجزء الجنوبي للعالم، اذ تشير الأكاديمية السويدية التي منحته الجائزة في اقتباسها بأنه فاز بها لـ «تعمقه المتعاطف في آثار الاستعمار ومصير اللاجئين في الخليج بين الثقافات والقارات».
مع وصوله الى بريطانيا، كان قد كوّن صورة عن بلد «الذوق والأدب»، «لم أكن لأتوقع كل تلك العدائية التي واجهتها»، يقول قرنح مضيفا «تتعرض لكلمات بذيئة ونظرات قبيحة وفظاظة»، فبريطانيا التي عاش فيها، كانت شديدة البياض الى الحد أنه، في بعض الأحيان، عندما كان يلمح صورته في نافذة أحد المتاجر، قد يتساءل للحظة، عمن
يكون. 
لكنه، بالرغم من ذلك كله، غمس نفسه في شريعة الأدب الانكليزي وظل «يقرأ ويقرأ ويقرأ»، حتى تطورت تدويناته التي كتبها على عجل في مذكراته عن الوطن، في نهاية المطاف، الى روايته الأولى «ذاكرة الرحيل» التي تدور حول رجل يفر من بلده المستقل حديثا. اما روايته الرابعة، «الفردوس»، فقد أدرجت ضمن القائمة المختصرة لجائزة البوكر لعام 1994، وهو أعلى وسام حصل عليه قرنح حتى نيله لجائزة نوبل. كان قرنح ينوي كتابة قصة عن حرب لا يعرفها الا القليل دارت بين القوات الاستعمارية الألمانية والبريطانية على الأراضي الأفريقية، لكن عندما بدأ كتابة مشهدها الافتتاحي، الذي يتم فيه تجنيد الشاب الافريقي يوسف، من قبل الجيش الالماني، أدرك قرنح بأنه لا يملك أدنى فكرة عن الكيفية التي سينتهي اليها بطل روايته في هذه الحالة، ليتحول المشهد الافتتاحي الى المشهد
الأخير.
 
أنا من زنجبار
كرس قرنح نفسه ليكتشف كيف لفتى صغير، يباع في سوق العبودية من أجل تسوية ديون والده، أن ينتهي به الأمر، بالفرار من أحد أشكال السجون الى آخر، وهذا النوع من الاهتمام المضني، لم يكن بهدف الوصول الى التفصيلة لكن للحقيقة، هو ما جعل كتاباته غاية في الروعة. أما إفريقيا التي يصورها قرنح في أعماله فهي أكثر تعقيدا ودقة وتعددا في الثقافات من القصص التي رشحت للغرب، تقول ميلاني أوتو، الاستاذة المساعدة المتخصصة بآداب ما بعد الاستعمار بكلية ترينيتي في دبلن بأن: «تسأل مؤلفات قرنح عن: كيف نتذكر ماضيا تم طمسه ومحوه عن عمد من الأرشيف الاستعماري؟».
يكتب قرنح رواياته باللغة الانكليزية وليس بلغته الأم السواحيلية، وهو الأمر الذي حد من شهرته في تنزانيا، تقول فاطمة كرومي، محامية من تنزانيا، عقب إعلان فوزه بالجائزة، بأن بلادها دخلت في نقاش محتدم حول جنسية قرنح، فالبعض كان متخوفا من حقيقة أن تنزانيا لا تعترف بإزدواج الجنسية في الوقت الذي كانوا «يحاولون جاهدين المطالبة به على اعتبار أنه منهم». كثيرا ما يُسأل قرنح عن سبب كتابته لمؤلفاته باللغة الانكليزية، ليجيب بأنها لغة تشبه لعبة الكريكت، فهي اختراع بريطاني لكنها اليوم صارت ملكا للجميع، بل ويلعبها الأجانب، أحيانا، بشكل أفضل. لكن عندما سئل من أين هو، أجاب من دون أدنى تردد: «أنا من زنجبار، لا لبس في ذلك».
 
*صحيفة الفاينانشيال تايمز



20-10-2021, 09:33
المصدر: https://www.ina.iq/139054--.html
العودة للخلف