الرئيسية / استكشاف القارات

استكشاف القارات

 ياسين طه حافظ
 
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
لا أتحدث عن اكتشاف بقاع يابسة عبر المحيطات كما اكتشف الناس من قبل، أنا أتحدث عن بحث الإنسان الدائم عما يلجأ اليه، سواء ليأمن او ليمتلك أو سأماً من أرض أو دنيا هو فيها. أتحدث عن عوالم يصله بها ابتداع او نظر عميق أو علم او تريه إياها فنون مما يفخر بها الإنسان.
فمن يتابع الافلام التي تعتمد روايات الخيال العلمي وعموم أفلام الاكشن، يجد دائماً فرداً نادراً يأتي بالجليل من الاعمال ويجد بين مجموعة الفاعلين في الفيلم او الرواية التي اعتمدها هذا الفيلم، دائماً الانثى الجميلة أو الجريئة أو اللا نظير لها.. فمثلما هي رقيقة حلوة وقوية شجاعة تفرح وتريح في جمالها وفي فعلها أو في ذكائها وتفانيها العظيم، هي أيضا لا تجعلهم بعيدين عن الحياة، عن الحميمية والحب، عن الوجود الطبيعي. هي غالباً ما تسهم في الانقاذ والانتصار على الشر والخطأ. ويصل هذا الدور الانثوي حده الاقصى، الإعجازي، الذي يوجب الثناء. 
لن يكون حديثنا عن عموم النتائج فجمال عملها وجمال روحها يتجسدان مع الذكاء والحركات النبيهة، لا في انقاذ حياة حسب ولكن بإعادة احيائها! تلك هي في تحريك سلك أو آلة، أو تنتبه لزر مغلق، تعيد الطاقة ويعود الامل ويعود كل شيء نشيطاً كما يعود الفرح للفريق، هذا العمل جدير بوقفة تأمل وبتفهم، فليس هو إلهاء وتمضية وقت، هو اعادة نظر واعادة آمال وتوقعات وحراك وايقاد إرادات للإنجاز ومن اجل هذا الانقاذ او ذاك تلتحم المضادات، يحول الخلاف تضامنا وتتكافل النوازع وانصارها ضد ما يهددهم من خطر وبكل الطاقات كل الادوات والاسلحة. فالسكين والبارود وقوة الذراع والطاقة الليزرية واي شيء يتيسر او يستذكَر لإنقاذ حياة لمداواة جرح صعب أو لتعديل مسار مركبة مضطربة في الفضاء. تأمل ما يجري والتفكر فيه، مثلما يوسع الرؤية ويمتع، هو يعطي لهكذا أفلام قيمة مضافة أخرى. يجعلها أكثر من مسلية واستعراض مخاطر وشجاعات. 
نحن في هذه الأفلام نكتسب عوالم جديدة ونستذكر أو نستعيد عوالم منسية ونعوض عن قيم تلفت بتضحيات جديدة، بتآزر واستبسال خارقين وبحب وبفعل يتجاوزان المستحيلات. فنرى مدى عظمة الإنسان وهو ينتصر على ما يهدده ليعود الى الارض أو الى الإنسانية المطمئنة والى حلاوة الحياة بعيداً عن التهديد والاخطار. 
ما يجب أن لا نغفله مسألتان أساسيتان رافقتا الادب والفن عبر تاريخ الإنسان كله، وهما في التمكن أو طريقة الوصول في مثل هذه الأفلام او الروايات التي اعتمدتها الأفلام، نجد المرأة متحررة من كل الارث التاريخي السيئ. فهي هنا تفكر بحرية، تتحرك بجرأة وهي واحد مهم واضح في مجموعة. إذاً، نحن خلقنا بيئة تعيد تنظيم الحياة ومثلما يستعيد الإنسان فيها إنسانيته المتكاملة هو ايضا يستعيد طاقات فعله وانجازه وتفكيره ويحرر كل هذه ضمن الجماعة. هو مع ومستقل! هو حر وايجابي! وهذا ما حُرم منه في أثناء عصور طويلة. هو هنا غير مستغَل وفي الوقت نفسه هو منتج بامتياز. 
لكن، لماذا في الفضاء وفي عوالم بعيدة وفي اجواء تجارب صعبة؟، الجواب أن التحرر من اشتراطات الارض خطوة أولى لحياة جديدة، فهي أما حياة تعاون وتكافل وأما ان يفشلوا في انقاذ «مركبتهم» أو حل معضلتهم فينتهون. 
في حرج مثل هذا تختفي الصغائر والجزئيات وتصير الحياة هي المسألة الاولى. فهم جميعاً في توهج الاستبسال المشترك أو المتعة المشتركة وضمن علاقات جديدة صنعتها المسافة الفاصلة عن الإرث السيئ والمصالح القديمة.
المسألة الثانية أن هذه الأفلام ترسم احلاماً غير تلك التي اعتدنا عليها. هي تجدد احلامنا الارضية الصغيرة. هنا مطامح صعبة التحقيق ومجابهات وتحديات وصدامات مع غير المتوقع ومع مجاهيل ليست في الحسبان. وغالبا ما تصنع يوتوبيات صغيرة واليتوبيات الصغيرة تصبح شاغلاً وموضوع صراع أو نضال يستوجب مغامرات خطيرة، انتحارية احياناً، مجازفات حادة للوصول او النجاة. لماذا؟ لأن الإنسان المعاصر يئس بعد كل القرون التي مضت من أن يحقق في الارض مبتغىً مهماً. الوسائل القديمة، التفكير القديم، الطاقات الجسدية القديمة، العلاقات الاجتماعية القديمة، كلها لم تحقق له حلما ارضيا ولم تحقق له سكنا مستقراً وعيشاً يُطمئَن إليه، وأحلامه الكبيرة ظلت معلقة ولا أمل قريباً بالوصول.
وجدوا في الفضاء منطلقا جديداً. اصطنعوا فيه او ابتدعوا طاقات فائقة، اسلحة فائقة، عقولاً ومهارات فائقة، تصورات وعلاقات إنسانية مثيرة وجديدة يواجهون فيها اعداء شرسين. فريق «ممتاز» يواجه قوى مجهولة وظروفاً شرسة. لذلك نجد الاستبسال على أشده والذكاء في اقصى توقده. ولا استغراب في استعمال اسلحة مرعبة ما دام التهديد مرعبا. 
انتصار الإنسان في فيلم الخيال العلمي، ان لم يكن بديلا عن خيبتنا الارضية، فهو درس لنراه وتعويض ليريحنا مثلما هو وقْدة تفاعل وتشوقات تقابل الخواء والرتابة. ليس من غير سبب يتابع الناس هذه الأفلام. ان ما يبدو استكشاف قارات او كواكب او عوالم مجهولة خارج عالمنا، هو ايضا استكشاف عوالم داخل أنفسنا وطاقات وقدرات كامنة فينا. قارات اخرى تتكشف داخل أنفسنا. عوالم حب وشجاعة وبطولات وابتداع حلول وتصورات، ثم الانتصار على الضد او على المجهول. في هذه الأفلام الكثير مما يوجب الاحترام.



21-06-2021, 09:09
المصدر: https://www.ina.iq/128535--.html
العودة للخلف