"ملح الأرض" يدقون أجراس السلام ويصلون من أجل العراق

تحقيقات وتقارير
  • 25-12-2019, 18:12
+A -A
 
اكتفى المسيحيون هذا العام بالصلاة والدعاء في الكنائس والأديرة ودق الأجراس احتراماً لدماء الشهداء التي سقطت في ساحة التظاهر.
المسيحية تعد ثاني كبرى الديانات في العراق بعد الإسلام ، وهي ديانة معترف بها في الدستور العراقي،  وهي أربع عشرة طائفة مسيحية يتوزع أبناؤها بين أنحاء مختلفة من البلاد، ويتركز الوجود المسيحي  في بغداد (الكرادة والغدير ومنطقة كمب سارة ومناطق متفرقة اخرى من العاصمة) وكذلك البصرة وأربيل ودهوك وزاخو وكركوك وفي البلدات والمناطق الآشورية مثل سهل نينوى في الشمال مع وجود أعداد أقل في مناطق أخرى من العراق ، تتكلم نسبة كبيرة من المسيحيين اللغة العربية، فضلاً عن اللغات القديمة التي سادت في المنطقة إبان العصور القديمة ، ومن أبرز هذه اللغات اللغة السريانية بلهجاتها العديدة.
تُدق أجراس الكنائس والأديرة في كل سنة عند منتصف الليل لتعلن بدء مراسيم الاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة وسط دعوات أن يعم الأمن والأمان بين جميع الطوائف في العراق.فنشهد مشاهد الفرح والسرور من خلال زينة أعياد الميلاد في كثير من الأحياء والشوارع والأزقة لنشارك الفرحة إخواننا المسيحين الذين غالبا ما شاركونا أحزاننا وأفراحنا في كل سنة ، وفي غمرة أعيادهم ومسراتهم  يؤجلون هذا  ويشاركونا المحن والألم بمشاعر صادقة بمناسبات دينية ووطنية ، لأنهم من رحم هذه الأرض الطيبة.
 
 
طقوس الميلاد والعادات 
 
يسمى يوم الاحتفال قديماً برأس السنة (حجيتو أكيتو) ويعني رأس السنة، وهناك في العراق القديم بيت كبير وواسع يقع على أطراف كل مدينة، ويسمى "بيت الاكيتو" أي بيت احتفالات رأس السنة، وكانوا يختارون أرياف المدن لبناء بيت اكيتو لأنها أرض واسعة، وطبيعة خلابة، ويقال إن الاحتفالات كانت تمتد الى 11 يوماً.
وتبدأ هذه الطقوس من خلال بعض الممارسات منها : أشجار ميلاد مزينة  في الكنائس والساحات، ويقوم الأهالي بتوزيع الحلوى للمحتفلين بوجوه تملؤها البسمة والفرح والبهجة وتستمر تلك الاحتفالات حتى وقت متأخر من الليل .ويقومون باشعال بعض أنواع البخور وترديد الصلوات  والأدعية وهذه الطقوس تؤدى  في الكنيسة . ومن العادات التي تمارس بعد الاحتفال ، قيام كل شخص بزرع شجرة، ويكون مسؤولاً على الاعتناء بها، وتبدأ أيضا عملية تنظيف المدن في هذا اليوم لأنها تعد بداية لحياة جديدة".
 
مواقف لا تنسى 
 
في كل سنة يثبت أخواننا المسيحيون أصالتهم وعظيم تضحياتهم ومدى انسانيتهم في كل أمر يتعرض له وطنهم العراق واخوانهم العراقيين .
يقول ممثل الطائفة المسيحية جلال دانيال في ميسان  وهو يعتذر عن استقبال المهنئين باعياد ميلاد السيد المسيح( ع) وراس السنة الميلادية  :"  بسم الأب والابن والروح القدس إله واحد آمين إلى أهالي ميسان الكرام نعتذر هذا العام عن استقبال المهنئين بمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح وعيد رأس السنة الميلادية  وذلك تضامنأ مع الشعب العراقي ومع أهالي شهداء ثورة أكتوبر وستقتصر أعيادنا فقط بالصلاة والدعاء إلى الله سبحانه وتعالى وأن يحفظ العراق والعراقيين بكل أطيافه والرحمة والمغفرة لشهدائنا الأبرار والشفاء العاجل لجرحانا".
 
 
شيخ عام المسيحيين في العراق
 
حدثنا شيخ عام المسيحيين في العراق هيثم عبد الاحد حلبية )بمناسبة أعياد رأس السنة قائلا : "يحتفل أبناء الشعب العراقي المسيحي في العراق وفي جميع أنحاء المعمورة بحلول ميلاد المخلص سيدنا يسوع المسيح "عليه السلام "والتي تتزامن مع ظروف هي في غاية الصعوبة  والتعقيد في بلدنا  العراق بعد انتصاراتنا على عصابات داعش الارهابية وفي ظل هذا الحراك الشعبي الذي يطالب بالحقوق المشروعة في العاصمة بغداد ومحافظاتنا العزيزة في الوسط والجنوب  ، والآن يسال الدم العراقي دفاعاً عن الديمقراطية الحقيقية ولأجل التصدي ومنع الفساد الذي ينخر بثروات البلد،  وبهذا العيد يسرنا أن نقدم أحر التعازي لأرواح شهدائنا الاعزاء الشباب الذين أُريقت دماؤهم دفاعاً عن  هذا البلد وعن حراكه الشعبي والشفاء للجرحى ،ونقدم التهاني الى قداسة الجد الأعظم البابا فرنسيس الثالث المحترم والقادة الدينيين الأجلاء والكهنة في العاصمة بغداد ومحافظاتنا مع أمنياتنا أن يسود الحب والسلام والمحبة والتآخي بين أطياف شعبنا العراقي وان تتحقق مطالب المتظاهرين وارادتهم الموقرة التي تتطابق مع إرادة المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف ،وبودي أن أشير إلى أن الدور الانساني والريادي الكبير التي تقدم  به شعبنا المسيحي وقادتنا الدينيين الأجلاء على مختلف طوائفهم  بقرارهم الصائب والعادل والانساني بتعليق الاحتفالية بهذا العيد الكبير تضامناً مع الثورة والانتفاضة العارمة التي تجتاح بغداد والمحافظات،  نحن معكم لأننا جزء من هذا البلد ونحن على طريق التضحية والتقدم  وكل عام وانتم بخير.
 
 
الفسيفساء الرائعة 
 
عانت الطائفة المسيحية والأقليات العراقية في الموصل من عمليات القتل والتهجير والسلب والنهب من قبل عصابات داعش الارهابي الذي حاول أن يغير من هذه التشكيلة التي تعيش على أرض العراق من غير تفرقة أو تمييز من خلال تغيير هذه الفسيفساء الرائعة التي تجمع كل من المسلمين والمسيحيين والأيزيدية والمندائيين واقليات اخرى رابطها الوحيد الانسانية وحب الوطن"التي يسكنها ما بين مليونين ومليونين ونصف المليون نسمة ، وتم تحرير الموصل في 17 أكتوبر الماضي وأفشلت المخططات المجرمة التي حاولت القضاء على الجميع من غير استثناء .
حدثنا جون من الطائفة المسيحية ،65 عاماً وهو من سكنة الكرادة حيث قال : أنا أعيش في هذه المنطقة منذ طفولتي ومرت علينا أيام عصيبة من الحصار وحروب وكنا أنا وأخوتي من المسلمين نعيش أسرة واحدة ، بل أتذكر إننا كنا نتقاسم رغيف الخبز عندما كانت تنفد  مواد البطاقة التموينية ، لأنه بلد الخير وبلد الطيبين ونجد هناك من يحاول أن يغير هذه الفسيفساء الرائعة ، ولكن أقول أنه يستحيل أن يحدث ذلك لأننا قلب واحد في جسد واحد". ولهذا قررنا إلغاء الاحتفالات في هذه السنة وسنكتفي بالصلاة ترحماً على أرواح الضحايا، والدعاء بالشفاء العاجل للجرحى".
 
أمنيات في عام 2020 
 
في كل سنة جديدة تبدأ وأخرى ترحل ، وكل الأمنيات تتفق في وطن واحد خالٍ من الحروب والنزاعات ، وعودة الحياة الطبيعية الى البلاد ونهوضها بوطن آمن جامع لكل طوائفه وشرائحه، انطلاقاً من قيم الاحترام والمساواة والحق في الحياة الكريمة، سنة سعيدة وآمنة خالية من النزاعات والويلات.