الهيدروجين الأخضر.. وقود المستقبل

مقالات
  • 30-11-2022, 08:33
+A -A

   سناء الوادي 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام

شاع ذكر هذا المصطلح في الآونة الأخيرة وتتناوله وسائل الإعلام باهتمام كبير، فمن المتوقع أن يصبح غاز الهيدروجين الأخضر هو العنوان العريض للمرحلة الطاقية القادمة، وسيشكل ثورة حقيقية في عالم الطاقة النظيفة الصديقة للبيئة، ما يعطي فرصة لتلك الدول المفتقرة لثروات باطن الأرض لحجز حصة من نفط المستقبل، وهذا ما سيضمن استمرارية الأرض في مرحلة ما بعد نفاد البترول.
ناهيك عن تواجد هذا العنصر في الطبيعة بوفرة بشكله المركب بما نسبته ثلثي مكونات مواد الكوكب، هذا ما لفت نظر العلماء والفيزيائيين للاستفادة المثلى منه في الاستخدامات البشرية الاقتصادية، فلم يكن العهد جديداً بتخليق غاز الهيدروجين، لكنه كان يدخل في الصناعات الستراتيجية كبطاريات الليثيوم الخاصة بمركبات الرحلات الفضائية ولاقطات البث الفضائي، واستخدم كذلك في الأعوام السابقة كمولّد للطاقة، لكنّ استخراجه اعتمد على مصادر الطاقة الأحفورية، وذلك ما يفاقم من مشكلة التلوث البيئي، ويزيد من اختلال التوازن المناخي الذي يعاني منه الكوكب كنتيجة حتمية أفرزتها الثورة الصناعية في نهايات القرن الثامن عشر والانبعاثات الكربونية المنطلقة من احتراق أنواع الوقود التقليدية كالفحم والبترول والغاز الطبيعي، حتى صرنا نعاني من الاحتباس الحراري ونشهد بدء تغير خارطة العالم الجيولوجية.
وفي إطار سعي العلماء الحثيث والمتواصل عن مصادر جديدة للطاقة والاستغلال الأمثل لمكونات الكرة الأرضية، لنرتقي وحسب مقياس كارداشيف إلى المستوى الأول للحضارة، ويكون ذلك عند استخدام كامل الطاقات في الأرض بما فيها الزلازل والبراكين، فنحن وعلى حسب معيار العالِم النمساوي نيكولاي كارداشيف، ما زلنا في المستوى صفراً وتوقع أن نحتاج بين 100 إلى 100 عام للارتقاء إلى المستوى الأول.
فضلاً عن الحاجة المتنامية يوماً بعد يوم لمثل غاز الهيدروجين، الذي سمي بالأخضر لأننا سنحصل عليه من الماء بطريقة التحليل الكهربائي المولّدة، أصلاً من طاقات متجددة كالشمس والرياح، ليتم فصل الهيدروجين عن الأوكسجين ونقله في أنابيب ومن ثمّ تخزينه للاستخدام لاحقاً في توليد الكهرباء وتكرير البترول وقد يدخل في الصناعة والتجارة ومن الممكن أن يتم ضغطه وتسييله، لتسهيل نقله من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك، ليحلّ شيئاً فشيئاً محل الوقود الأحفوري الذي شارف على نهاية عهده، وكان قد صدر تقرير من وكالة الطاقة الدولية يشير إلى أن هذه الطريقة لتوليد H2 من شأنها أن توفر 830 مليون طن من غاز الكربون المنبعث سنويا من احتراق النفط والغاز.
ولربما ما يسرق انتباه الدول لهذا الغاز في هذا التوقيت بالذات ما يعانيه العالم من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، التي أظهرت للعيان عجز دول أمام غيرها لافتقارها لمصادر الطاقة، واستخدام أخرى الغاز والنفط كورقة ضغط للحصول على طموحات سياسية.
ناهيك عن إدراك الدول النفطية بأن عهد الوقود التقليدي قد بلغ ذروته، ولا بد من الانتقال للعهد الجديد، فبدأت تطفو على السطح مشاريع هيدروجينية ضخمة لدى بعض الدول العربية كمصر والسعودية والجزائر والمغرب، هاتين الأخيرتين اللتين تطمحان لصدارة الإنتاج العالمي الهيدروجيني، فضلاً عن سباق بعض الدول الأوروبية، في ما بينها لتأخذ موقعاً في مستقبل الطاقة النظيفة وتكتفي ذاتياً لتضمن التحول المريح من الاعتماد على الوقود التقليدي إلى الطاقات المتجددة، فبدأت بمشاريع كبرى للاستفادة من الماء لتوليد الهيدروجين الأخضر مثل بلجيكا وإسبانيا وألمانيا والدنمارك، حتى أن شركات كبيرة كشركة الغاز توتال إنيرجي الفرنسية قد عقدت اتفاقية مع مثيلتها الهندية انتربرايزس للاستحواذ على حصة 25 % منها لإنتاج الهيدروجين.
وفي هذا السياق فمن المتوقع أن تصبح دول الشرق الأوسط، ومنها الدول العربية ودول شمال افريقيا رائدة هذا المجال في المستقبل، فالمؤهلات التي تمتلكها من مساحات شاسعة وأشعة الشمس لفترات طويلة من العام وتيارات الرياح ووفرة الماء، والأهم من ذلك موقعها الجغرافي المتوسط للعالم والقريب من الأسواق الأوروبية، هذا ما يجعلها أكثر المناطق قابلية لإنتاج هذه الطاقة وتصديرها.
ومع تواتر الحديث عن حماية البيئة والمناخ لاستمرار الحياة على كوكبنا يكون العصر الهيدروجيني ذا القيمة الصفرية للتلوث قد أطلق صافرة البداية فطوبى لكل من يسعى للدخول به.