من أجل سلوك سياسي مستنير

مقالات
  • 27-10-2022, 07:38
+A -A

 رعد أطياف
إن العدو الأبرز للسياسة هو الارتجالات، والتكتيكات الآنية. ذلك أن السياسة لا تخاض بضربة حظ، ولا بالاستخارة، أو الحدوس الشخصية، ولا تُدار ببطانة المقربين، فهؤلاء يقربون البعيد ويبعدون القريب، خصوصاً في ثقافتنا الجماعية التي تميل، وبحكم بنيتها القبلية، إلى تقديم الأصحاب، والمقربين، أيًا كانت مستوياتهم الفكرية، ذلك أن الوجدان والولاء الشخصي مقدمٌ على أي شيء آخر. وعلى هذا المنوال يصاب العمل التنظيمي والمؤسسي بمقتل.

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
بالتخطيط، والمشورة، ومراجعة الأخطاء، ونقد الذات، والاهتمام بمراكز الدراسات، والاستعانة بالمستشارين، ربما تظهر عينة من السياسيين مستقبلاً، وبخلافه ستتكرر ذات الأخطاء. ما لم تظهر نخبة سياسية مستنيرة تضع بناء جهاز إداري محترف لتشييد الدولة، فسيملي ذلك الفراغ الطارئون والانتهازيون واللصوص. ولا ننسى: أن الضعف والرخاوة والانتهازية، هي مقدمة لكل عملية اختراق من الخارج. لم يتعرض العراق إلى الاحتلال الأميركي، لولا رخاوة نظام البعث، وطغيانه، واحتقاره لصوت العقل. 
على أي حال، ليست المشكلة في تشكيل حكومة، وإنما في انعدام جهاز إداري قادر على بناء دولة. كل تاريخنا السياسي يتوقف عند عتبة السلطة، ثم سرعان ما تتهاوى صروحها، وتغدو اثراً بعد عين، وتترك خلفها كوارث مريعة. والمصيبة الأكبر يأتي اللاحقون كنسخ مشوهة للسابقين يتوارثون الفظاعات نفسها، وهذا ما شهدناه من تعاقب الأنظمة الشمولية على حكم العراق. حيث لم ينظر السابقون إلى مطبات اللاحقين، وكانوا ينظرون إلى أنفسهم كما لو أنهم استثناء مما حدث وسوف يحدث، وكان صدام حسين النموذج الأبرز لاحتقار العواقب والاستهتار بأمن الناس وأمانهم، حتى بات العراق، في فترة حكمه السوداء، معتقلاً كبيراً، وكابوساً كئيباً، جاثما على صدور الكثير من العراقيين.
لأجل هذا كله، ينبغي أن نأخذ فكرة التنظيم العقلاني على محمل الجد، للتدريب على العمل المؤسسي، ولكي لا نقع في مطبّات الماضين. لكن نحن العراقيين، كلنا مهتمون بالوضع السياسي، وكلنا نكره التنظيم السياسي! هذا «النفور الغريزي» من العمل المؤسسي، والميل نحو الشخص، يرجع إلى جذر غائر في الذاكرة العراقية، وهو جذر قبلي بامتياز. لا نحب ان «يشيخ» أحد علينا. ما زلنا، سواء ارتدينا الماركات الغربية، أو استخدمنا المعجم السياسي الحديث، أوفياء، لا شعورياً، لذاكرتنا القبلية. لذلك لا نستغرب اي عركة تحدث داخل تنظيم سياسي، حول أمور ظاهرها إدارية وفنية، في حين باطنها يفصح، لذوي البصيرة، بشيء آخر وهو «الكبارة». لذا، يبقى الـ"فيسبوك" هو متنفسنا الوحيد، للتنفيس عن هرموناتنا الثورية، أما لو ظهر شخص يقودنا إلى التنظيم العقلاني، فسنقرّضه بالمقاريض.