لعبة الانتخابات والحكومات

مقالات
  • 29-05-2022, 08:22
+A -A

ساطع راجي
 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
نعيش منذ أشهر حالة عامة من خداع الذات تتمثل بإدعاء الصدمة والملل والغضب من تأخر تشكيل الحكومة الجديدة وخرق التوقيتات الدستورية والأعراف الديمقراطية، وهذه الحالة تمكنت من إشاعتها أحزاب السلطة وإعلامها، رغم انها أسست لهذه الخروق ولمنهج المماطلة القائم على الضغط والتفاوض المفتوح.
في معظم الحكومات السابقة كانت عملية الاتفاق على تشكيل الحكومة تمتد لأشهر وفي كل مرة يتم خرق الدستور والاعراف الديمقراطية والتلاعب بمشاعر ومطالب المواطنين، حكومة المالكي الأولى مثلا تشكلت في 20 أيار 2006 رغم أن انتخابات البرلمان جرت في 15 كانون الأول 2005، أي استغرق التشكيل حوالي 7 أشهر، وبينما جرت انتخابات 2010 في 7 آذار، فإن حكومة المالكي الثانية تشكلت في 22 كانون الاول، أي استغرقت 10 أشهر، وانتخابات 2014 جرت في 30 نيسان، ونالت حكومة حيدر العبادي ثقة البرلمان في 8 أيلول 2014، أكثر من أربعة أشهر، والانتخابات التي أُقيمت في 12 أيار 2018 أنتجت حكومة عادل عبدالمهدي التي حازت الثقة في 24 تشرين الاول 2018، حوالي 6 أشهر، ومعظم الحكومات كانت منقوصة التشكيل واستغرقت أسابيع اخرى للاكتمال، كما تجاوز تشكيل الحكومة الحالية وعمليات التكليف المتتالية بعد استقالة عبدالمهدي التوقيتات الدستورية.
معظم الأشهر الفاصلة بين الانتخابات وتشكيل الحكومات كانت تقضى في الطعونات بالنتائج او التفسيرات القضائية للنصوص الدستورية وفي الخلافات الشيعية على المرشحين لرئاسة الوزراء، وتمَّ طرح أنواع من الألاعيب والخدع منها “مجلس السياسات” لإنتاج تسويات هشة، وكان التهديد بالاقتتال الشيعي او الطائفي مطروحا دائما، وقد حدث في نطاق مصغر أكثر من مرة، وتاريخ السجال بين القوى الشيعية حافلٌ بالتصلب في المواقف والتراجع عنها وحافل أيضا بالتلاعب اللغوي الذي يعتمد فكرة “تغيير العنوان لتغيير الحكم”، فالتركيبات السلطوية نفسها تمنح أسماء جديدة مثل أي منتج يراد اعادة تسويقه لنحتفل في النهاية بتشكيل الحكومة وكأنه الهدف الوحيد لجميع المواطنين، صارت الحكومة هدفا وليست انجازاتها!.
نتيجة هذا التاريخ، اأن المنظومة السياسية تعيد ضخ الدماء في جسدها عبر عمليات الإلهاء والتضليل وافتعال المعارك والاتفاقات، وفي كل مرة يقال إن المعركة هذه المرة حاسمة وسيخرج الشعب من الظلمات إلى النور، لكن حتى لو انتصر جزء من النظام على جزء آخر منه فإن المنتصر لن ينسى المهزوم، بل سيحمله معه ويعيد تبييض وجهه لأنهما توأم غير قابل للانفصال، والمهزوم في أسوأ الحالات خصم مقبول جزئيا وخير من خصم مرفوض كليا. 
المطلوب راهنا، عدم الاستسلام لهذا الإغراق بالمعارك الوهمية بين الاخوة الاعداء التي لن تكون لها نتائج حاسمة ولن تخرج البلاد من أزماتها، بل التركيز على ما يريد ان يفعله كل طرف بعد تسلم السلطة عدا الرجوع إلى خلافاته مع إخوته على حصص الارث، الذي ظهر فجأة.