تجربة الإلغاء

مقالات
  • 17-04-2022, 09:52
+A -A

ساطع راجي
 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
اختفاء مجالس المحافظات والأقضية والنواحي في العراق، يمثل حالة نادرة في الادارة السياسية، إذ لا نعرف دولة واحدة مهما كانت طبيعة نظامها السياسي تخلو من مجالس محلية تمثيلية، بل إن الدول تتجه إلى زيادة عدد هذه المجالس.
صحيح أن جزءا كبيرا من الغضب الشعبي خلال احتجاجات 2019 توجه إلى مجالس المحافظات وتسبب في التساؤل عن شرعية وجودها، ليصدر القرار القضائي بحلها نظرا لتجاوزها السقف القانوني لزمن ولايتها، لكن كانت هناك إرادة لقوى الحكم وراء عدم اجراء انتخابات مجالس المحافظات بعد انتهاء دورتها عام 2017، كما تعمدت هذه القوى عدم تنظيم أي انتخابات لمجالس الاقضية والنواحي.
إن مجالس المحافظات والاقضية والنواحي كيانات دستورية وجزءا مهما من النظام السياسي ووجودها حق شعبي واجتماعي وضرورة سياسية وادارية، لكن قوى الحكم تمكنت من تحويلها إلى بؤر للفساد والصراع ومؤسسات للتعطيل تقضي دورتها في الصراعات الحزبية والصفقات المشبوهة او في دور القضاء لتبادل الاتهامات والشكاوى، حتى تحولت إلى «عدو الشعب» وصار المواطنون لا يجدون في بقائها مبررا كما أنهم لم يشعروا بأي نقص نتيجة اختفائها، وهكذا ترسخ اعتقاد عام بعدم ضرورة وجودها ومن الأفضل إلغاؤها. لقد تمكنت قوى الحكم من إحداث تشويه سياسي عندما حولت مؤسسات علاج المشكلات المحلية إلى مكائن لإنتاج المشكلات، وهي تعمل اليوم لتوسيع تجربة الإلغاء لتمتد عموديا إلى المؤسسات الدستورية السيادية واجراءات تغييرها وحدود عملها زمنيا وسلطويا، وهو ما سيؤدي لاحقا إلى تسيد قناعة شعبية (لها اليوم جذور واضحة) ترى انه لا مبرر لوجود الأحزاب والبرلمان والدستور وتداول السلطة ولا مبرر للانتخابات، ما دام كل هذا الضجيج لا ينتج أي فائدة للمواطنين في النهاية، بل يتسبب في إهدار الزمن وتعطيل المصالح، وقد تتجه قوى الحكم قريبا نحو تدابير وصيغ تميع كل مفاهيم العمل السياسي للتحرر من الالتزامات الدستورية وسقوفها الزمنية وتصبح السلطة مجرد أمر واقع والاجراءات الحكومية والبرلمانية مجرد نتائج للضرورات، التي تبيح المحظورات تحت شعار «عدم تعطيل مصالح 
المواطنين».
إن تمييع الدستور وحرف عمل مؤسساته بسبب الصراع السياسي سيؤدي في النهاية إلى القضاء على شرعية السلطة، واذا كانت بعض المجتمعات تقبل باهدار الشرعية الدستورية، بذريعة أن البديل لديه شرعية الانجاز بما يحققه من مصالح للمواطنين والدولة، فإن قوى الحكم في العراق لن تمتلك أبدا شرعية الانجاز، إذ لو كانت قادرة على تحقيق الانجاز ما كنا وصلنا إلى هذا الطريق المسدود.