مقارنة مرفوضة

مقالات
  • 14-04-2022, 08:55
+A -A

بغداد-واع
 نرمين المفتي 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
في نيسان 2004 وبعد أن فجّرت شبكة CBS الاميركية فضيحة سجن أبو غريب وانتهاكات حقوق الإنسان من خلال أساليب تعذيب وحشيَّة ارتكبها جنود الاحتلال لسجناء عراقيين لم يعرف معظمهم ما هي جريمته، بدأت شبكات الإعلام الغربية والاميركية والعربية تنقل تفاصيل الفضيحة وتصريحات لجنود من قوات الاحتلال يؤكدون شعورهم بالعار مما حدث. 
كنت ضيفة برنامج مباشر من خلال الهاتف، إذا لم تخنّي الذاكرة، على BBC وكان في الطرف الآخر ضيف انكليزي وآخر أميركي ورابع عراقي مغترب.. كنت، فضلا على عملي الصحفي، أعمل تطوعا المدير المناوب للمركز الدولي لرصد الاحتلال والذي كنت مشاركة في تأسيسه مع ناشطين ضد الاحتلال من أوروبا والولايات المتحدة الاميركية. 
أثناء الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في العراق عامة وفي سجن أبو غريب خاصة مما تشكل جرائم ضد الإنسانية، كان الضيفان الانكليزي والاميركي يدينان ما حدث ويحدث ويصفان فضيحة أبو غريب بالصدمة، فاجأنا العراقي المغترب بتوجيه كلامه نحوي بعصبيَّة قائلا: "ولماذا تُصدمين وتدينين،  ألم يكن النظام السابق ينتهك حقوق الإنسان، يقتل ويعذّب؟"، وأجبته "إذن هناك منافسة من يعذب العراقي وينتهك حقوقه أكثر، وافتراضا جاءت قوات الغزو والتي تحولت الى احتلال لإنقاذ العراقيين وحماية حقوقهم".. وتذكرت هذا الحدث وأنا اقرأ تعليقات البعض على منشور نشرته في صفحتي على الفيسبوك عن أكثر الصور العراقية وجعا أثناء الغزو والتي نال مصوروها جوائز عالميَّة، وهي صور لأطفال ومعتقلين، مثلا "إنَّ هذه الصور نقطة من بحر جرائم النظام المقبور"، وعلى منشور لزميل صحفي ينتقد فيه الوضع السياسي الحالي، علق أحدهم قائلا: "وهل كنت تجرؤ أن تتحدّث هكذا قبل نيسان 2003؟"، ولو أردت الحديث عن هكذا مقارنات لطال المقال كثيرا.. ما أريد أن أقوله إنَّ هكذا مقارنات وبعد 19 سنة من التغيير ليست معقولة ومرفوضة أيضا. 
إذ ليس من المقبول أن يكون النظام السابق مقياسا، لأنَّ قوات الاحتلال بعد أن اعترفت بعدم وجود أسلحة الدمار الشامل، كانت ذريعتهم هي حقوق الإنسان.. ثم لماذا حين يندد الإعلام الغربي بما ارتكبته قوات الاحتلال، يلجأ بعض العراقيين في الداخل والخارج إلى المقارنة؟، هل يحاولون القول بأنَّ على العراقي أن يقبل بانتهاك حقوقه برغم أن التغيير حدث لأجل تدعيم هذه الحقوق!، هل يحاولون أن يؤكدوا للعراقي بأنّه محروم من الحقوق؟، أو ببساطة يحاولون الهروب الى الأمام وهو هروبٌ ليس صحيا أو سويا ولا يعي من يمارسه بأنَّه يبرّر لغيره مشكلة أو جريمة وكأنَّه كان مشاركا في ارتكابها.. 
إنَّ النظام السابق نال جزاء ما ارتكبه ولكن ليس من الإنصاف القبول بارتكاب الأخطاء نفسها بذريعة القضاء على الأخطاء السابقة، وفي الوقت الذي اعترفت فيه كونداليزا رايس، وزيرة خارجية اميركا إبان الاحتلال، بارتكاب إدارتها الكثير من الأخطاء في العراق، وصدرت في الولايات المتحدة الاميركية عشرات الكتب والأفلام الوثائقية عما ارتكبته قوات الاحتلال وقيام المحاكم الاميركية بالحكم على بعض وليس كل الذين ارتكبوا جرائم حرب في العراق، نرى عراقيين يبررون هذه الجرائم بذريعة أن النظام السابق كان يرتكبها!، آن الأوان أن يعرف العراقي حقوقه ويطالب بها ومن بينها التعويضات على ما أصابه من أضرار مادية وعلى من فقده من أفراد أسرته وأن لا يستمع الى الذين يحاولون أن يقنعوه بأنَّه خُلق ليُعذب.