"التحرش".. ظاهرة عصية عن الحلِّ رغم العقوبات والدعوات المجتمعية لإنهائها

تحقيقات وتقارير
  • 21-12-2021, 15:54
+A -A

بغداد – واع – آمنة السلامي 

 تحرير : مصطفى باسم

لا تخلو دولة في العالم من ظاهرة التحرش، التي تعددت أشكالها ما بين المعنوية والجسدية، إضافة إلى أساليب أخرى منها الملاحقة أو التتبع أو الاهتمام غير المرغوب به كالتدخل في عمل أو شؤون الآخرين.

ومع العولمة وتطور التقنية والتكنولوجيا أتيح نوع جديد من التحرش عبر الإنترنت، الذي أصبح مشابهاً لـ"السطو المسلح" الذي يغزو البيوت الآمنة، من خلال المراسلة أو التعليقات، من دون وجود رادع حقيقي، بالرغم من أن جميع أشكال هذه الظاهرة تعد جريمة يعاقب عليها القانون العراقي.

الأكاديمي في علم النفس، أحمد الذهبي، قال في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "أسباب التحرش نفسية، ويعد اضطراباً سلوكياً، يدعمه خلل مجتمعي، وهو ظاهرة خطيرة، كون آلامه وتأثيراته النفسية تستمر على مدى طويل، ولا تمحى من الذاكرة، لاسيما الأنثى، المتعلقة بالإهانة والابتزاز من قبل المتحرش".

ولفت إلى أن "التحرش الإلكتروني أصبح من أكثر الأنواع انتشاراً، في ظل تزايد منصات التواصل الاجتماعي، حيث أدى الى تدمير الكثير من الأسر الآمنة، فهو بمثابة عمليات سطو مسلح تدخل إلى البيوت".

وأشار إلى أن "هناك أكثر من سبب لانتشار ظاهرة التحرش، يتمثل بالأول بالاضطراب السلوكي للمتحرش، ومعنى ذلك أن المتحرش ليس مريضاً نفسياً بل هو إنسان ذو سلوك مضطرب بصرف النظر عن عمره أو مستواه الاجتماعي والثقافي، حيث إنه شخص مدرك لأفعاله ولكنه يعاني خللاً يدفعه للتصرف بعنف اتجاه الآخرين".

وأضاف أن "السبب الثاني للتحرش هو رد الفعل، فبحسب الدراسات فإن العدوان الذي يمارسه المتحرش يكون كرد فعل لعدة أسباب منها بايولوجية، مثل ارتفاع معدلات التلوث البيئي ما يسبب ميلاناً للعنف، كما توجد أسباب نفسية واجتماعية مثل تفكك الأسرى والزحام والقمع والحرمان".

وتابع: "أما السبب الثالث فيتمثل بالتربية غير السليمة وهي بمثابة الاضطرابات النفسية التي تجعل المتحرش يعاني من الانكسار ويرى بهذه الظاهرة هي المتعة التي من شأنها أن تشعره بالمتعة والقوة".

واكمل قائلاً: "كذلك فإن تواطؤ المجتمع يشعر المتحرش بالدعم ويدفعه لتكرار مثل هذه  الافعال، حيث إن رد الفعل المتساهل مع المتحرش يدفع للنظر إلى أن الضحية هي الطرف الأضعف ما يدفع إلى الاصرار على تكرار مثل هذه الافعال".

وأكد على "َضرورة الوقوف ضد هذه الظاهرة، لاسيما وسائل الإعلام التي يجب أن تأخذ دورها بتوعية المواطنين، إضافة إلى المؤسسات التربوية والمؤسسات الأمنية، لكي نتمكن من القضاء على التحرش".

فيما رأت الأكاديمية والباحثة الاجتماعية، ندى العابدي في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن "اكثر ظاهرة يثار حولها الجدل والتراشق بتوزيع المسؤوليات هي ظاهرة التحرش، حيث أن أنها قديمة ودائما ما تحدث في جميع المجتمعات، فهي لا تعتمد على تطور المجتمع أو على ثقافته، والجميع يشترك بها، لذلك لا يجب تحميل المسؤولية على طرف دون حساب الطرف الآخر، وبالتالي فإن السبب الرئيسي لمثل هذه الظاهرة هو أساليب التربية".

وأوضحت أنه "في المجتمعات العربية غالباً ما ينظر للمرأة بأنها خلقت لغرض الإنجاب أو الغريزة، وإن جسمها عورة وفي حال لم تغطيه فإن هذا يشيع تعرضها لمختلف انواع التحرش سواء كان لفظياً أو معنوياً أو جسدياً، وسبب ذلك هو تربية الرجل في الأسرة على أنه يتميز على المرأة، وبالنتيجة تتم الاستهانة بها، ولا يحترم كيانها".

ونوهت إلى أنه: "يمكن محاربة مثل هذه الظاهرة والحد منها، من خلال التربية والتوعية، والتأكيد على أن الذكور والاناث يعيشون حياة تشاركية، حيث لو تم ترسيخ هذا المفهوم بتربية الاطفال وتعضيده بمناهج التعليم والوسائل الإعلامية، فإننا سنشهد انخفاضاً كبيراً بظاهرة التحرش، وتعزيز صورة المرأة التي أصبحت مهزوزة في المجتمعات العربية".

فيما يرى الخبير القانوني، علي التميمي، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن "هناك أكثر من نوع بالتحرش يحاسب عليه القانون، يتضمن الأول منه باستخدام القوة أو التهديد، ويحاسب عليه القانون وفق المادة ٣٩٦ من قانون العقوبات بالسجن ٧ سنوات وتشدد العقوبة إلى ١٠ سنوات إذا كان المجني عليه أقل من ١٨ سنة"، لافتاً إلى أنه "في بعض الدول مثل أمريكا تكون عقوبة مثل هذه الظاهرة المؤبد".

وأضاف: "أما النوع الثاني، فيكون بالطلب حيث عاقب عليه قانون العقوبات في المادة ٤٠٢ بالسجن ٣ اشهر أو الغرامة، وتشدد العقوبة إلى ٦ أشهر في حال تكرار الفعل"، مشددة على "ضرورة تشريع قانون بهذا الشأن، وأن تجمع هذه المواد المبعثرة وإيجاد الحلول النفسية والاجتماعية خصوصا مع وجود هذه الجريمة مع التطور التكنولوجي".

فيما يقول مدير الشرطة المجتمعية، العميد غالب العطية في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "ظاهرة التحرش موجودة في جميع المجتمعات، لاسيما لدى فئة المراهقين، ولكن الشرطة المجتمعية وبالتعاون مع المؤسسات الأمنية الأخرى، عقدت الكثير من الندوات والمؤتمرات، والجولات الميدانية، للحد منها".

وأضاف: "لقد وصلتنا العديد من الشكاوى بخصوص تعرض بعض طالبات المدارس إلى التحرش، وقمنا باتخاذ الإجراءات اللازمة، لاسيما أن القانون يعاقب المتحرش بالسجن من شهر إلى 3 أشهر، إضافة إلى غرامات مالية"، مبيناً أن "مثل هذه الحالات تكثر في المدارس المختلطة".

وأكد أنه "تم تنفيذ برامج توعوية عديدة للحد من هذه الظاهرة، كما عملنا على إقامة ندوات في دوائر الدولة التي يشاع فيها وجود ظاهرة التحرش، من خلال توعية الموظفين والكوادر المتواجدة في المؤسسات".

وبين أن "هذه الظاهرة بدأت بالانخفاض عما كانت موجودة قبل عامين أو أكثر، حيث وجهنا الفتيات بعدم السكوت عن المتحرشين، وصدهم والتبليغ عنهم للحد من هذه الظاهرة".


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام