انزياحات المجاز غير المألوفة في قصيدة (القطة) لميروسلاف هولوب

ثقافة وفن
  • 12-07-2021, 08:40
+A -A

محمد تركي النصار
ولد الشاعر التشيكي ميروسلاف هولوب عام 1923 وتوفي عام 1998. عرف بكونه عالما في تخصص المناعة، وقد استفاد من العلم في كتابة قصائد تحقق نوعا مميزا من التأثير الشعري وترجمت أعماله الى أكثر من ثلاثين لغة.

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
تمتاز قصيدة (القطة) لهولوب بلغتها المجازية غير المألوفة، والتقنيات المغايرة في الاستخدام.
في البيت الأول يقارن الشاعر الليل بكتاب خالٍ من الحروف، وفي العادة تستخدم اللغة المجازية لتوضيح فكرة ما أو صورة لكنها تمارس نوعا من التشويش هنا، فكيف يكون الليل كتابا من دون حروف؟
هل هو غامض أم فارغ؟ يحتوي رسائل وشفرات أم منسي، ممتع أم عديم الفائدة؟
وماذا عن الظلام الأبدي الذي يقطر على النجوم، في الظروف الاعتيادية عندما نفكر بكلمة يقطر فإن هذا يعني أن الأشياء تسقط للأسفل، لكن النجوم هي في الأعلى، وما هو المقصود بغربال المدينة، هذه الروابط الغريبة هي ما تشكل فضاء القصيدة، وهي أشياء لا تحدث في الحياة الواقعية. وفي المقابل فإنها ليست خيالية، بل تبدو كأنها عالم بديل. 
المقطع الأول يحدد النغمة والاسلوب وكلاهما ذو مغزى بالنسبة للقارئ ليصدق البيت الأخير عندما تصير القطة فجأة هي (أنت). هولوب يستخدم بعض الكلمات المتشابهة بحروفها الاولى في البيتين الثالث والرابع في النص الأصلي (الليل يتساقط) و(غربال المدينة)، وهو مايساعد في خلق تدفق في الأبيات الأخيرة من المقطع الأول:
 
 كان الليل يخيم في الخارج
مثل كتاب بلا حروف 
والظلام الأبدي
 يقطر على النجوم 
من خلال غربال المدينة.
 
قلت لها 
لا تذهبي
ستسقطين في الفخ
وستسحرين
وتعانين بلا جدوى.
 
وبالرغم من أن القصيدة هي من الشعر الحر إلّا أنها تمتلك ايقاعا متدفقا، وهي ليست مكتوبة ببحر الايمبك الصار، لكنها تتكون من مقاطع مشددة واخرى غير مشددة، لتسحب القارئ وتدفعه خلال القصيدة، وفيها وقفات، وسيولة تجعلها تشبه الاغنية، الجانب التقليدي للشعر هنا يساعد القارئ على التحرك من المقارنات والعبارات الأقل تقليدية، وهو الأمر الذي يجعله يعيد المقاطع بسلاسة عدة مرات حتى يبلغ المعنى.
يعطينا المقطع الأول وصفا غريبا لليل، ومع ذلك فإننا إذا ما نظرنا للتوصيفات، فإننا نرى مدينة معتمة، ليل مصفى يصل الى النجوم، وبعدها يبدأ مدى القصيدة بالانحسار، ناظرة الى بيت واحد فقط، إذ يتوسل رجل بقطته، وما يقوله يعبر عن مخاوف الانسان من الظلام، فمن جانب نحن نخاف مما يختبئ بالظلام وما الذي يمكن أن يفعله بنا، ومن جانب آخر فإننا نخاف من ان يكون الظلام عدما فيحولنا أيضا الى عدم. 
(لكن النافذة كانت مفتوحة فذهبت) والقطة السوداء جزء من المشهد المعتم لذلك فهي لا تخاف منه، انها تغادر في العتمة، فتغدو بسبب لونها غير مرئية: 
 
لا تذهبي
قلت لها،
لماذا تحنين لذلك العدم
لكن النافذة كانت مفتوحة
فغادرت من هناك.
قطة سوداء ذابت في ليل أسود
لا أحد رآها بعد ذلك أبدا 
حتى هي نفسها.
 
اختار هولوب قطة كنقيض للبشر، وتمتاز القطط بأنها لا تفترض أنك صديق لها بشكل تلقائي مثل الكلاب، او تتعامل مع أي بشر على انه سيدها بل إنها تمتاز بنوع من الاستقلالية والقيادة (الاوتوقراطية) ولا تتأثر إلا قليلا بأفكار الاخرين، وغالبا ما توصف القطط السود بأنها قليلة الحظ لكنها تستفيد من هذا مستمتعة بإزعاج البشر الحمقى.
القطة في قصيدة هولوب، ليست حيوانا غبيا، بل كينونة تفكر وتحسب مقررة بأن مماحكات البشر ليست ذات قيمة، انها تؤسس لاستقلاليتها بالتخفي في الظلام، لكنها، في داخلها تشعر بشيء ما تجاه الانسان الذي تتركه، وتقوم بين الحين والاخر بما يشبه النداء مذكرة هذا الانسان بأنها لاتزال هناك، جزءا من الظلام:
 
لكن يمكن أن تسمعها أحيانا
عندما تهب ريح الشمال
 وتصغي أنت بتركيز عالٍ اليها..
 
هل هناك معنى أعمق؟ هل يتحدث هولوب هنا عن الموت؟ مثلما وصف الليل: غامض، ربما يخفي شيئا أو لا شيء هناك اطلاقا، القطة 
السوداء هي رمز للموت وهو يرجو من القطة أن لا تذهب الى الظلام، كأننا نرجو شخصا أن لا يموت، ومع ذلك لا نمنع حدوث الموت المعبر عنه بمغادرة القطة السوداء، انها قصيدة عن طيات الظلام وهدوء العدم والسلام الأخير الذي ربما لا يمكن التعبير عنه بالكلمات.