وادي السلام

ثقافة وفن
  • 27-06-2021, 07:52
+A -A

حميد المختار 
 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
ربما هي أكبر مقبرة في العالم إذ تحتوي على ما يقرب من الستة ملايين قبر، وقد أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي، وجاء في بعض المصادر أن وجه التسمية يعود إلى النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم وإلى جبريل، وفضل هذا المكان أن المدفون فيه يسلم من عذاب البرزخ وحسابه، وثمة الكثير من الروايات تؤكد أن هذه المقبرة يعود تاريخها إلى عصور ما قبل الإسلام، إذ كانت ومنذ القدم مكانا لدفن الموتى وانها المكان الذي سجدت فيه الملائكة لآدم عليه السلام، وهي أيضا كانت مصلى او مسجدا لآدم وللأنبياء بعده، وقد دفن في هذا المكان الشريف الأنبياء هود وصالح وآدم ونوح كما تقول بعض المصادر، وهناك أيضا قبور ملوك وأمراء وشيوخ وسياسيين وعلماء وفقراء واغنياء حيث تساوت القبور وما عاد هناك فرق بين أمير وفقير، وثمة أيضا معلومة تقول إن المدفونين في هذا المكان ليسوا شيعة فقط إنما هناك المسيحي والمسلم السني والعربي والأجنبي، وها هو هذا الوادي الواسع صار كما الفم المفتوح الذي يلتهم الأصدقاء والأحبة بلا عدد وكل يوم، وفي جولتي الأخيرة فيه زرت قبورا لأقرباء لم أزرهم من قبل، ثمة الكثير من القبور المندرسة والمهدمة والمهملة لأنها قديمة جدا، ثم قبور أهلي، أمي وأبي وأعمامي وأبناء عمومتي وأصدقائي، الداخل إلى هذا الوادي يشعر أنه ترك عالم الأحياء تماما وبات هنا مع الأموات المسالمين الصامتين الذين ينظرون إليك من خلال صورهم القديمة التي محت الرياح القاسية والغبار الكثير من ملامحهم الجميلة، الكل ينظر إليك وكأنه يقول لك تعالَ اقترب مني وزرني فأنا أشعر بالوحشة والغربة والبعد عن الأهل والأحباب (تذكرت من يبكي علي فلم أجد/ سوى السيف والرمح الرديني باكيا/ صريع على أيدي الرجال بقفرة/ يسوون لحدي حيث حم قضايا/ يقولون لا تبعد وهم يدفنونني/ وأين مكان البعد إلا مكانيا..) هذه الأبيات من القصيدة الوحيدة للشاعر مالك بن الريب يرثي بها نفسه، وهي تشكو حال الراحلين إلى قبورهم المنفية عن عيون الأحبة والأهل وهو من أصحاب الواحدة المعروفين في التراث الشعري العربي، لم أشعر بالوقت وحر الهاجرة الذي يذيب فروة الرؤوس، كان يوما مميزا بحق زرت فيه قبر الشاعر الشعبي الكبير عريان السيد خلف وزميله الشاعر الجميل جبار رشيد، وكان في نيتي وعلى بالي أن أزور أخي الحبيب السارد الكبير محمد علوان جبر (ابو دنيا) لكنني للأسف فقدت عنوان قبره، وكذلك الكثير من الأصدقاء والأحبة، اما توظيف مقبرة وادي السلام في القصة والرواية فمازال بحاجة إلى الكثير من الاهتمام والمعايشة، فهو عالم قائم بذاته استفاد منه بعض كتاب الدراما، فكتبوا عنه عملا دراميا وربما اثنين لا أتذكر، ولكنه سيبقى عالما واسعا ومفتوحا للذين يدخلون فيه ليكتبوا روايات وقصصا واعمالا تؤرخ للوحشة الإنسانية والعزلة الروحية والمنفى الذي لا بد منه.