وادي السلام .. طفولة مبعثرة بين القبور

تحقيقات وتقارير
  • 1-06-2021, 12:34
+A -A

النجف الأشرف- واع- علي جاسم السواد - حيدر فرمان 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
بين قبور وادي السلام لا يتوقع أحد أن يرى طفلة بعمر الزهور تسارع الخطى بحثاً عن لقمة العيش بين صرخات وبكاء المشيعين لموتاهم، ولكن الطفلة حنين ابنة التسعة أعوام لم يكن أمامها خيار بوجه صعوبة الحياة إلا أن تتناسى تلك الطفولة لتبدأ مشوارها في البحث عن لقمة عيش تسد رمق سبعة أيتام ضاقت بهم السبل بعد وفاة والدهم ،ولم يبق أمامها خيار إلا تحمل المسؤولية بالرغم من صغر سنها.
فكل يوم تبدأ حنين رحلتها مع العمل في الساعة الثالثة فجراً برفقة خالها المعاق ببيع ماء الورد والبخور وهي تطارد الجنازات في مقبرة هي الاكبر في العالم، وكأن لحظة وداع الموتى الاخيرة قبل أن يوارى جثمانه الثرى تتحسس وجع هذه الطفلة التي شاق عليها الزمان ولم تجد معيلاً ولا كفيلاً يستغيث طفولتها.
وكالة الأنباء العراقية (واع) استغاثت جسد حنين المتعب لتسلط الضوء على قصة حنين مع مقبرة وادي السلام حيث التقت والدتها التي قالت: إن " حنين هي البنت الصغرى في العائلة وتساعد في توفير المال عبر العمل مع خالها، إن ما تجنيه على قلته يساعد في توفير حاجات العائلة الاساسية من طعام ،ولكنه لا يكفي لأمور أخرى وهو ما يدفعها للعمل الى وقت متأخر ولساعات طويلة من اجل توفير اكبر قدر من المال"، مشيرة الى أن "العائلة جميعها تعمل من اجل توفير ادنى حد من المعيشة ،لكن حنين تتولى المسؤولية الاكبر كون شقيقاتها الاكبر منها كن يعملن سابقا ،ولكن بسبب دخولهن في سن البلوغ صار من المعيب خروجهن الى العمل ،ما اضطرهن الى البقاء في المنزل خشية تعرضهن للمضايقات ،وباتت حنين تتحمل المسؤولية الاكبر ولكن ذلك لايعني أنني أنا وشقيقاتها لانعمل ". 

عمل مضنٍ

طفلة لا تعرف معنى الطفولة ولم تتحسسها يوما، الطفلة تصارع الحياة وكأنها نخلة صامدة امام رياح عاتية، انتزعت من قلبها الخوف وهي تتجول بعد منتصف الليل بين القبور غير مبالية بقساوة العمل المضنية ولا يهمها إلا تأمين لقمة العيش لاسرتها.
يقول خال حنين: "نخرج انا وحنين قبل الفجر نطارد اصوات البكاء أينما حلت، الموت سبيلنا الوحيد للبقاء،  انا رجل معاق لا استطيع تلبية احتياجات ذوي الموتى ،لكن حنين تقوم بكل شيء، تبيع ماء الورد والبخور والمسابح وأحيانا العطور لزائري المقابر وهو عمل مضن على طفلة لم تتجاوز التاسعة من العمر، وعلى الرغم من ذلك لا تزال تواظب بالذهاب الى المدرسة وهي مجتهدة ومتفوقة أيضا".
وأضاف: " لا يختلف طموح حنين عن قريناتها في النجاح  ،وأن تصبح إنسانة ذات شأن في المستقبل، لكن ذلك لم يخف مشاعر الحزن القابعة خلف عينيها بسبب وضعها ووضع أسرتها الصعب".

طفولة متعبة
وبينما حنين تجري خلف العجلات محاولة بيع ماء الورد والبخور أوقفناها للحظات لعلنا نكشف سر هذه الشجاعة الكامنة في روح هذه الطفلة، ولعلنا نكون متنفساً لصوتها المخبأ ،ووجعها الذي لم تبوح به يوماً، وما أن تحدثت حتى اكتشفنا أننا نقف أمام جبل شامخ عمدت فيه حضارة الرافدين كبريائها الخالد، فقالت حنين: إن" عائلتها لم تجبرها على العمل ،بل أن ضميرها هو من فعل ذلك، لأنها لا تستطيع أن ترى والدتها وأسرتها تعاني الجوع والحرمان، لذلك كان خيار العمل هو السبيل الوحيد لانقاذهم من الضياع". 
وتابعت: " حتى أكون صادقة أمام الله وأمامكم لا بد من قول الحقيقة، لقد كانت أيام العمل الاولى هي الاصعب، لأني كنت خائفة جدا وانا اتجول بين القبور خاصة وأن الوقت كان حينها شتاء وبرداً شديداً مصحوباً بمطر وأصوات الرعد تهزني خوفاً، ولكن مع مرور الوقت تعودت على الوضع وبات الامر طبيعياً".
وأضافت: " حلمي أن اكمل المدرسة وأن احصل على شهادة تمكني من العمل في مكان لائق، لذلك أنا حريصة على الدراسة ومتابعة دروسي خاصة وانا الان أدرس وحدي بسبب انقطاع الدوام نتيجة كورونا، وسيأتي اليوم الذي أحقق فيه حلمي وسأتذكر حينها طفولتي المتعبة".
عمالة الأطفال
رئيسة لجنة الطفولة في مجلس محافظة النجف المنحل حنان سعد راضي قالت إنها: "عملت منذ توليها مهام اللجنة على الحد من عمالة الاطفال والبحث وراء اسبابها "، مشيرة الى أن "هناك أسباباً عديدة تسهم في زيادة عمالة الاطفال ،منها حالة الكساد في العمل في المحافظات الأخرى ،ما يدفع بالهجرة الى محافظات النجف الاشرف وكربلاء المقدسة كونها محافظات سياحة دينية ،لذلك تكون جاذبة للسواح من داخل وخارج العراق فيلجأ الكثيرون للعمل بها".
وبينت: " لقد نبهنا كثيرا الجهات الحكومية للحد من هذه الهجرة ومن عمليات النزوح ،وكان للعمليات الارهابية الدور الكبير في زيادة النزوح لهذه المحافظات وعمالة الاطفال ،لكنهم عادوا الآن الى مناطقهم بعد استتباب الأوضاع الأمنية " موضحة: أن "من مخاطر عمل الاطفال استغلالهم من قبل العصابات في بيع المخدرات واستغلالهم في التسول وفي جرائم السرقة وكنا نرفع تقارير مستمرة الى الجهات المعنية ،وكانوا يلقون القبض عليهم في قضايا الاحداث ،لكن للاسف يتم الافراج عنهم سريعا بكفالة رمزية وهذه مشكلة قانونية".
ودعت راضي الى " ضرورة تفعيل مراكز تأهيل الاحداث حتى يكونوا عناصر نافعين في المجتمع والتصدى لهذا الملف الخطير