دولة الضرائب

مقالات
  • 13-05-2021, 08:33
+A -A

محمد شريف أبو ميسم
 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
لفت نظري أحد الأصدقاء وهو بصدد اعتراضه على فكرة اقامة “دولة الضرائب” الى الخلط الحاصل بين مفهومي نظام اقتصاد السوق الرأسمالية “الليبرالية” ونظام اقتصاد السوق الاجتماعية، وأي النظامين تتجلى فيه دولة الضرائب بشدة،
وهنا لا بد من التثبيت ان أنموذج دولة الرفاه الأوروبية، صنعها نظام اقتصاد السوق الاجتماعية بعد الحرب العالمية الثانية بدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا عبر مشروع مارشال بهدف وضع حد للمد الشيوعي الذي كاد يصل أوروبا الغربية بتأثير من شعارات تحرير الانسان من عبودية العمل، وتطبيقات العدالة الاجتماعية بعد اجتياح الجيش الأحمر لأوروبا الشرقية، فكان مشروع مارشال الذي قدم من خلاله نحو ثمانية مليارات دولار الى المانية الغربية وبعض دول أوروبا الغربية بهدف دعم الاستثمار ونظام اقتصاد السوق الاجتماعية، 
ونظام اقتصاد السوق الاجتماعية يفرض المزيد من الضرائب التصاعدية على الرساميل ويحيلها الى صناديق داعمة للنظام الصحي والتعليمي والخدمي فضلا عن التكافل الاجتماعي، وحين انهارت المنظومة الشيوعية بعد مجيء كورباتشوف ونهاية الحرب الباردة، واجه نظام اقتصاد السوق الاجتماعية شيئا فشيئا هجمة شرسة بعد انتفاء الحاجة منه وصعود تيارات الليبرالية الجديدة المطالبة بوقف العمل بنظام الضرائب التصاعدية وبمزيد من الحرية لرأس المال، بدعوى الدعم للابتكار الذي تصنعه الشركات والرساميل التي تقف خلفها، حتى تستطيع أن تصنع المزيد من الرفاهية للانسان بحسب الليبراليين الجدد، الذين يؤسسون لسلطة الرساميل واسقاط سلطة الدولة، ومن ثم، ووجهت الليبرالية الجديدة بمعارضة شديدة دفاعا عن دولة الضرائب التي تصنع الرفاه، في ما تعالت أصوات الليبراليين أكثر وأكثر، متهمين نظام اقتصاد السوق الاجتماعية بالاشتراكية جراء تمسكه بالشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، اذ يجنح الليبراليون في اقتصاد السوق الرأسمالية الى خصخصة جميع وظائف الدولة وتحرير الرساميل الكبيرة من الضرائب بدعوى تشجيع الابتكار والاستثمار المحلي والاجنبي، في ما تلتزم الطبقات المجتمعية بدفع الضرائب والرسوم واجور الخدمات،
وبناء عليه فان دولة الضرائب التي تستهدف الرساميل الكبيرة وتحيل الأموال الى خدمات عبر صناديق لضمان الحياة الكريمة لكل الفئات المجتمعية تتجسد في اقتصاد السوق الاجتماعية، الا انها لا تنسجم مع ما تريده “سلطة الرساميل” التي تؤسس دائما لدول فاشلة تسود فيها الفوضى وتنعدم فيها العدالة الاجتماعية بهدف القبول بحلول جاهزة،