تذكرة سفر

ثقافة وفن
  • 24-04-2021, 08:39
+A -A

 حسن السلمان 

 

تذكرة سفر

حاولتُ تهدئته فلم يهدأ. قلت لهُ، لا عليك، سيأتي قطار آخر. لن تطير الدنيا ياصديقي العزيز إن فاتك هذا القطار. فأسقط سيجارته وداسها بعصبية بالغة وهو يشيّع آخر عربة للقطار.. نظرَ إلى بقايا سيجارته المسحوقة ورد عليّ بصوت حزين، لا، أنت لاتفهم مايعنيه لي هذا القطار. حسناً. قلت له، ماالسر الذي يجعلك متعلقاً بهذا القطار؟ جذب نفساً عميقاً وأطلقه على شكل حسرة طويلة وأراني تذكرة سفرٍ تعود إلى زمنٍ بعيد.. 

*****

 

الوصايا

حانَ وقت المغادرة. ودعتْ ابنتها وتوجهت نحو عمها قائلة:"ياصاحب العينين الجميلتين والضحكة الحلوة، اوصيك بابنتي. عينكَ عليها. إنها صغيرة ولاتحتمل الوحدة. كن قريباً منها أيها العزيز". ثم توجهت نحو جدها قائلة:"سيدي الكريم، بحق رب الكون عليك، احرص على أن تبقى شمعتها مشتعلة. هناك شموع كثيرة تركتها لها. إنها تخاف ظلام الليل كثيراً، حتى أنها كانت لاتنام عندما نطفئ المصابيح" تحرك الباص وأطبقت الوحشة والسكون على المكان الذي قطعه بعد برهة من الزمن، نعيق غربانٍ انقضت على حبوب الحنطة المبعثرة فوق رخام القبور...

الحلم العتيد

كان يجلس قبالة زوجته المشغولة بحياكةِ كنزةٍ صوفية. ومابينهما تستقر مدفأة نفطية ذات لهبٍ أزرق. أراد أن يتحدث لكنه جذب صحيفة قديمة وتظاهر بالقراءة. تململ في مكانه وأراد أن يفتح فمه، لكنه نشر يديه فوق المدفأة.. وضعتْ كرة الصوف وإبرة الحياكة جانباً وحدثته بامتعاض: "أنا اعرف أن لديك شيئاً تريد أن تقوله، قلهُ". حكَّ شعر ذقنه النابت، وبصوتٍ خافت قال لها:"في الحقيقة ياعزيزتي أنني حلمتُ حلماً مخيفاً ليلة البارحة.. حلمت بنفسي امشي في شارعٍ مقفرٍ، وسمعت قرقعة عالية، فنظرت إلى الوراء ولمحت عشرات البراميل الفارغة تتدحرج خلفي.. فركضت ولكنني سرعان ماتعبت وتوقفت، فاجتازتني البراميل من دون أن أصاب بأذى.. لكنه حلم مخيف.. كانت قرقعة البراميل مرعبة بحق". التقطت إبرة الحياكة وكرة الصوف، وانهمكت بالحياكة، وبعد دقيقة من الصمت، سألته بصوت مختنق:"يارجل. ارحمني. لقد حفظتُ حلمك هذا منذ عشرات السنين.. قم احلق ذقنك فلسنا في مأتم".

*****

 

خيط دخان

لأول مرة يشعر بأنه كان يحبها من دون أن يعلم. استغرب وحدث نفسه قائلاً: "ترى، أين كان يختبئ كل هذا الحب عندما كانا يتقاسمان سقفاً واحداً، ويلاحقان عقارب ساعة الجدار نفسها؟".. على جناح اللهفة، عاد من حيث أتى، وعلى جناح اللهفة ذاتها، راح يقترب من حبهِ الذي كلما أراد الإمساك بهِ، يتحول إلى خيط دخان..

*****

 

الجريح الطائر

فوق هضبة جرداء إلا من بضعة أرواح معذبة، ظل الجندي الجريح يئنُّ طوال الليل من شدة جراحه التي احدثها سقوط قذيفة بالقرب منه. عندما انبلج الفجر، تلاشت آلامه تماماً وشعر بجسده يرتفع عن الهضبة رويداً رويداً وينضمُّ إلى سرب طيور مهاجرة تحلّق باتجاه قلب الوطن.. كانت أبدان الطيور التي تبرق تحت أشعة شمس ساطعة، تبدو لمن يراها من بعيد كالحريق

******

 

جناح محترق

احتبست في صدرها صرخة هائلة، مع ذلك، تساقطت من على الرفوف العالية أطباق الخزف، وتأرجحت على الجدران تشكيلة من الصور الفوتوغرافية، 

وتهشم زجاج النوافذ.. يوم التحاقه بجبهة القتال، وعدها أن يعود سريعاً وقد أوفى بوعده، فهاهو ذا كيس ورقي اسمر اللون في داخله ساعة يدوية، وخاتم بفصٍ لازوردي، وفراشة زاهية الألوان بجناحٍ من رماد.

******

أصابع الندم

لم يخطر في بالهِ أن مياهاً كثيرة ستجري في نهر الزمن. تصورها ذات المياه العذبة التي كان ينهل منها يوم كان الزمن في متناول يديه. بقيت صورة ذلك الزمن الجميل عالقة في ذهنه، وعندما اراد استعادتها عبر لقاءٍ عابر، أتى على كل أصابع الندم

******

 

حرير الطمأنينة

رنَّ منبه الساعة المنضدية.. تلاشت الابتسامة التي خطفها من حلمه القصير، وتمزق حرير الطمأنينة الذي كان يتوسده بغيابه اللذيذ عن الوجود.. مجدداً عاد إلى بئر الخوف الذي سقط فيها منذ أول يومٍ خلع فيه ورقة التوت...


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام