مبادرةُ (الحزام والطريق) ربطُ العالم بالواقع

---
  • 18-08-2020, 08:24
+A -A
علي جاسم السواد
إذا كان الغرب قد تمكن من اكتشاف الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" ،التي تمثل تحولاً تاريخياً على المستوى الافتراضي مُشبعة رغبة العالم في العقود الأخيرة من القرن العشرين، فإن الرغبة المرحلية للعالم الآن تتشبث بمشاريع واقعية تنعكس بشكل إيجابي على النهوض الاقتصادي ،والعمراني ،وتحقيق رفاهية الشعوب، وتلك الرغبة تحركت مؤشرات بوصلتها باتجاه الصين ،التي أطلقت مبادرة اقتصادية واقعية عبر مبادرة "الحزام والطريق" العالمية.
هذا المشروع الجبار الذي يعدّ وريثاً شرعياً لـ"طريق الحرير" القديم ،الذي تم انشاؤه في القرن الثاني قبل الميلاد، ويمثل هدفاً جمعياً يخدم مصالح الدول التي يمر عبرها من خلال ربط الصين بالعالم عبر أكبر مشاريع البنى التحتية على كوكب الأرض ،لأنه يتيح إنشاء مئات الموانئ ،وطرقات السكك الحديد ،والعديد من المناطق الصناعية ،والمراكز التجارية ،بما يرافقها من حركة تجارية هائلة في (126) دولة آسيوية وأوربية ومن دول أميركا الجنوبية ،فضلاً عن استثمار المئات من مليارات الدولارات.
مبادرة "الحزام والطريق"التي أطلقها الرئيس الصيني "شي جين بينغ" العام 2013،إذ مثلت أكبر تحالف عالمي على أسس اقتصادية وتجارية ،بعد أن حققت المبادرة استجابة دولية لم تشهدها أي تحالفات منذ انتهاء الحرب الباردة، ففي العقود الماضية كانت خطى دول العالم تتسارع صوب التحالفات العسكرية والسياسية ،خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبداية مرحلة صراع القطبين"الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي" ،التي زادت حدته وفق استراتيجية كسب الحلفاء ،بتقديم الدعم العسكري ،والثقل السياسي الدولي ،خاصة بين أروقة المنظمة الدولية، وبالنتيجة فإن جميع الدول الصغيرة التي بنت تحالفاتها على الأسس العسكرية ،ظلت مرهونة بمدى المساعدات والدعم العسكري ،ما جعل قرارها السياسي مرهوناً أيضاً بسياسة الدول الكبرى.
وباتت تلك التحالفات أكثر هشاشة بعد أن تخلت تلك الدول عن الكثير من حلفائها لتحقيق مصالحها، وهذا الأمر دفع أغلب الدول إلى تغيير تحالفاتها السياسية والعسكرية ،خاصة في مجال التعاقد على منظومات الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة.
ولكن المفهوم الدولي الاستراتيجي تغير بطريقة مذهلة بعد إطلاق الصين لتلك المبادرة ،وبعد أن كشفت المعطيات التاريخية عن أن الرهان الاقتصادي والتنموي ،هو المكسب الحقيقي لديمومة التطور والتقدم، وهو ما دفع العديد من الدول ،خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب أمريكا من الاندفاع بقوة والاستجابة إلى مبادرة "الحزام والطريق" وإبرام اتفاقيات اقتصادية كبيرة مع الصين في مختلف المجالات التجارية والتنموية والعمرانية والاقتصادية، وهي اتفاقيات تضمن لتلك البلدان التطور والنمو بعيداً عن الانفاق المالي الكبير لشراء معدات وأجهزة عسكرية وأسلحة لا جدوى منها.
 إن السياسة الاقتصادية الصينية الانفتاحية تمثل فرصة ثمينة لجميع دول العالم ،سواء من تمتلك اقتصادات قوية أو الدول النامية التي تحتاج إلى من يساعدها للنمو، وهو ما يجعل مبادرة "الحزام والطريق" مشروعاً نهضوياً يرفع من النمو الاقتصادي العالمي وفق شبكة واقعية ملموسة تحسها الشعوب من خلال مشاريع البنى التحتية والمشاريع الصناعية الكبيرة.
أضف إلى ذلك أن نجاح هذه المبادرة له آثار ليس اقتصادية فقط ،وإنما سيزيد من فرص القضاء التدريجي على التطرف العالمي من خلال ما يوفره من فرص العمل لملايين الشباب العاطل ،ما يؤدي إلى خلق بيئة عالمية مستقرة بعيداً عن الصراعات الفعلية على الأرض أو المغذيات المتطرفة عبر مواقع التواصل الافتراضية.
لذلك فإن هذا المشروع يعدّ المنفذ الاستراتيجي للعديد من دول العالم للتغلب على العقبات الاقتصادية ،التي جاءت حصيلة الصراعات والحروب الناتجة عن تحالفات عسكرية لا جدوى منها ،خاصة بعد أن بات الاقتصاد العالمي مهدداً بشكل كبير بسبب تفشي جائحة كورونا ،التي تعصف بالعالم.
هناك من يحاول أن يصور هذه المبادرة على أنها مشروع صيني يهدف إلى تصريف البضائع الصينية إلى جميع دول العالم، لكن معطيات المبادرة على أرض الواقع تثبت عكس ذلك تماماً ،لأن مبادرة "الحزام والطريق" ستكون ممراً تجارياً حيوياً لجميع الدول ضمن المبادرة ،لأنه سيحقق مجموعة أهداف:
أولاً: ربط سككي يمتد لآلاف الكيلومترات بين شرق الكرة الأرضية وغربها وشمالها وجنوبها ،إذ يربط الصين بـ(51) مدينة أوروبية متوزعة على (15) دولة ،التي تقدر بـ 4 آلاف خط.
ثانياً: إنشاء الموانئ ذات الأغراض التجارية الكبيرة ،التي تستوعب أعداداً كبيرة من الحاويات المحملة بالبضائع.
ثالثاً: إنشاء ستة ممرات برية عابرة للحدود ،التي تتضمن محطات استراحة وجسوراً وأنفاقاً.
رابعاً: إنشاء المدن الصناعية والمراكز التجارية في العديد من البلدان.
خامساً: المساهمة في تقليل كلف الإنتاج بسبب قلة كلفة النقل ،بعد أن أتاحت المبادرة ممرات اقتصادية متعددة.
إن العراق كدولة نفطية أولاً ،ويحتل موقعاً جغرافياً ثانياً ،يجب أن يكون جزءاً من مبادرة "الحزام والطريق" من خلال انشاء مشروع القناة الجافة الرابطة بين ميناء الفاو الكبير جنوباً باتجاه تركيا وسوريا شمالاً، ويكون هذا المشروع ضمن الاتفاقية العراقية الصينية ،التي أبرمت العام الماضي، لتعزيز التبادل التجاري بين موانئ الخليج وموانئ البحر المتوسط ،وتحقيق نمو اقتصادي من خلال التوازن بين الاستيراد الصناعي ،والتصدير النفطي ،وتعزيز الصناعات النفطية ،واستثمار مبادرة "الحزام والطريق" لتسويق البضائع.