المُستقبل السلبي

مقالات
  • 26-07-2020, 15:29
+A -A
 
مع تطورِ ادوات ايصال المعلومة من مؤسسات معلومة الى مؤسسات غير معلومة ووجودها في « كف اليد» عبر جهاز الموبايل اصبح العالم، كل العالم قرية صغيرة، ما ان ترمي حجرا في زاوية حتى تسمع صوته في مختلف زوايا هذا العالم الواسع الكبير عبر منصات التواصل الاجتماعي التي ترافق الانسان، اينما حل وارتحل، فلا يحتاج ان ينتظر مشاهدة التلفاز او مطالعة صحيفة، حتى يتلقى المعلومة الخبرية، بل انها تأتي اليه جاهزة ومعلبة ومعطرة في احيان كثيرة، وكان لهذا التطور الكبير ان يكون ايجابيا قبل ان يكون سلبيا، لأنه يختصر الوقت والجهد والتعقيد ويسابق الزمن، بل ويسبقه في ايصال المعلومة الى مُستقبِلها دون عناء وبحث. 
ولانعدام ضابطة ضبط اداء مستخدمي هذه المنصات، والمنصات نفسها اصبحت بعض هذه المنصات اداة فوضى وقلق وربما رعب لكثير من المستقبلين، وبسبب سرعة انتشارها وانتشار المعلومة من خلالها «ضاع الحابل بالنابل» واختلط الخطأ بالصواب مما شوه وضوح استقبال المعلومة لدى مُستقبِلها والتبس الصدق بالكذب في احيان كثيرة بل واغلبها. 
حتى وصل الامر الى « النخبة» التي - من المفترض - ان تختار افضل الاشياء من بين مجموعها، فلم تُعد عندها النخبة، نخبة إذ اصبحت هي الاخرى مُستقبلا سلبيا ووسيطا ناقلا غير مدرك لحقيقة ما يدرك، وهنا تكمن خطورة الاداء، فعندما ينقل عامة الناس كل ما يتلقونه من دون تمحيص ودراية فهو امر يمكن فهمه او ايجاد مسوغ له، بأنهم - اي العامة- غير مدركين لحقائق بعض ما ينقلون، لكن ان تنقل النخبة بعض ما يتردد في منصات التواصل الاجتماعي وفي مجال اختصاصها كأن يكون « سياسيا - اجتماعيا - اقتصاديا - ثقافيا - امنيا» فهذا تعقيد اكثر لمهمة الوصول الى الحقائق لان - عامة الناس- هنا ستتلقى المعلومة من « مطلع» ومختص بينما ينقل ويكون مستوى التشويه والغموض وغياب الحقائق هو القاعدة وغيرها الشواذ، وهذا الامر اصبح مشاعا في الوقت الحاضر، حتى بات المستقبل، مستقبلا سلبيا ينقل كل ما يصل اليه من دون تفكير وتمحيص ودراية، بل واكتشاف حقيقة ما ينقل، واصبح للشائعة مناخ واسع لنموها وزحفها من دون ايقاف او تردد، بل وبات من يعرف حقيقة ما  يُنقل انه اشاعة او كذب محض مترددا في تبيان حقيقة الامر خشية من ردود الافعال، واصبح المُستقبل السلبي مشاركا في الهدم الذي يطول كل مفردة من مفردات الحياة. 
وهنا تقع على « النخبة» مسؤولية مضاعفة في مواجهة ثقافة «التثويل» التي تمارسها جهات او افراد او منظمات او مجموعات بقصد او من دون قصد، فلا يمكن ان تنساق النخبة خلف المعلومة المجهولة بل عليها ان ترفع - عامة الناس- من الضياع في فوضى الشائعات والكذب والافتراء وإن كان ذلك يحملها مشاق التعرض السلبي لها من قبل غالبية مستقبلة للمعلومة على انها حقيقة مطلقة .